ثم قال تعالى
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا
وفيه قراءتان قراءة العامة بالتاء ويؤكده حرف أبي أي بل أنتم تؤثرون عمل الدنيا على عمل الآخرة قال ابن مسعود إن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها وإن الآخرة لغيب لنا وزويت عنا فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل وقرأ أبو عمرو يؤثرون بالياء يعني الأشقى ثم قال تعالى
وَالاٌّ خِرَة ُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
وتمامه أن كل ما كان خيراً وأبقى فهو آثر فيلزم أن تكون الآخرة آثر من الدنيا وهم كانوا يؤثرون الدنيا وإنما قلنا إن الآخرة خير لوجوه أحدها أن الآخرة مشتملة على السعادة الجسمانية والروحانية والدنيا ليست كذلك فالآخرة خير من الدنيا وثانيها أن الدنيا لذاتها مخلوطة بالآلام والآخرة ليست كذلك وثالثها أن الدنيا فانية والآخرة باقية والباقي خير من الفاني ثم قال
إِنَّ هَاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاٍّ ولَى
واختلفوا في المشار إليه بلفظ هذا منهم من قال جميع السورة وذلك لأن السورة مشتملة على التوحيد والنبوة والوعيد على الكفر بالله والوعد على طاعة الله تعالى
ومنهم من قال بل المشار إليه بهذه الإشارة هو من قوله قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ( الأعلى ١٤ ) إشارة إلى تطهير النفس عن كل ما لا ينبغي أما القوة النظرية فعن جميع العقائد الفاسدة وأما في القوة العملية فعن جميع الأخلاق الذمية
وأما قوله وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ ( الأعلى ١٥ ) فهو إشارة إلى تكميل الروح بمعرفة الله تعالى وأما قوله فَصَلَّى ( الأعلى ١٥ ) فهو إشارة إلى تكميل الجوارح وتزيينها بطاعة الله تعالى
وأما قوله بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا ( الأعلى ١٥ ) فهو إشارة إلى الزجر عن الالتفات إلى الدنيا
وأما قوله وَالاْخِرَة ُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( الأعلى ١٥ ) فهو إشارة إلى الترغيب في الآخرة وفي ثواب الله تعالى وهذه أمور لا يجوز أن تختلف باختلاف الشرائع فلهذا السبب قال إِنَّ هَاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاْولَى وهذا الوجه كما تأكد بالعقل فالخبر يدل عليه روى عن أبي ذر أنه قال قلت هل في الدنيا مما في صحف إبراهيم وموسى فقال اقرأ يا أبا ذر قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ( الأعلى ١٤ ) وقال آخرون إن قوله هذا إشارة إلى قوله وَالاْخِرَة ُ خَيْرٌ وَأَبْقَى وذلك لأن الإشارة راجعة إلى أقرب المذكورات وذلك هو هذه الآية وأما قوله لَفِى الصُّحُفِ الاْولَى فهو نظير لقوله وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاْوَّلِينَ وقوله شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ( الشورى ١٣ )
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
فيه قولان أحدهما أنه بيان لقوله فِى الصُّحُفِ الاْولَى ( الأعلى ١٨ ) والثاني أن المراد أنه مذكور في صحف جميع الأنبياء التي منها صحف إبراهيم وموسى


الصفحة التالية
Icon