المسألة الثانية حرف في واللام متقاربان تقول إنما أنت للعناء والنصب وإنما أنت في العناء والنصب وفيه وجه آخر وهو أن قوله فِى كَبَدٍ يدل على أن الكبد قد أحاط به إحاطة الظرف بالمظروف وفيه إشارة إلى ما ذكرنا أنه ليس في الدنيا إلا الكد والمحنة
المسألة الثالثة منهم من قال المراد بالإنسان إنسان معين وهو الذي وصفناه بالقوة والأكثرون على أنه عام يدخل فيه كل أحد وإن كنا لا نمنع من أن يكون ورد عند فعل فعله ذلك الرجل
أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ
اعلم أنا إن فسرنا الكبد بالشدة في القوة فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدته لا يقدر عليه أحد وإن فسرنا المحنة والبلاء كان المعنى تسهيل ذلك على القلب كأنه يقول وهب أن الإنسان كان في النعمة والقدرة أفيظن أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد ثم اختلفوا فقال بعضهم لن يقدر على بعثه ومجازاته فكأنه خطاب مع من أنكر البعث وقال آخرون المراد لن يقدر على تغيير أحواله ظناً منه أنه قوي على الأمور لا يدافع عن مراده وقوله أَيَحْسَبُ استفهام على سبيل الإنكار
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً
قال أبو عبيدة لبد فعل من التلبيد وهو المال الكثير بعضه على بعض قال الزجاج فعل للكثرة يقال رجل حطم إذا كان كثير الحطم قال الفراء واحدته لبدة ولبد جمع وجعله بعضهم واحداً ونظيره قسم وحطم وهو في الوجهين جميعاً الكثير قال الليث مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته وقد ذكرنا تفسير هذا الحرف عند قوله يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ( الجن ١٩ ) والمعنى أن هذا الكافر يقول أهلكت في عداوة محمد مالاً كثيراً والمراد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونه مكارم ويدعونه معالي ومفاخر
أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ
فيه وجهان الأول قال قتادة أيظن أن الله لم يره ولم يسأله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه الثاني قال الكلبي كان كاذباً لم ينفق شيئاً فقال الله تعالى أيظن أن الله تعالى ما رآى ذلك منه فعل أو لم يفعل أنفق أو لم ينفق بل رآه وعلم منه خلاف ما قال
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ
واعلم أنه تعالى لما حكى عن ذلك الكافر قوله أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ( البلد ٥ ) أقام الدلالة على كمال قدرته فقال تعالى أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ وعجائب هذه الأعضاء مذكورة في كتب التشريح قال أهل العربية النجد الطريق في ارتفاع فكأنه لما وضحت الدلائل جعلت كالطريق المرتفعة العالية بسبب أنها واضحة للعقول كوضوح الطريق العالي للأبصار وإلى هذا التأويل ذهب عامة المفسرين في النجدين وهو أنهما سبيلا الخير والشر وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال إنما هما النجدان نجد الخير ونجد الشر ولا يكون نجد الشر أحب إلى أحدكم من نجد الخير ) وهذه الآية كالآية في هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ إلى قوله فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً


الصفحة التالية
Icon