والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب يقال فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب وأما أترب فاستغنى أي صار ذا مال كالتراب في الكثرة قال الواحدي المتربة مصدر من قولهم ترب يترب ترباً ومتربة مثل مسغبة إذا افتقر حتى لصق بالتراب
المسألة الثانية حاصل القول في تفسير يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَة ٍ ما قاله الحسن وهو نائم يوم محروص فيه على الطعام قال أبو علي ومعناه ما يقول النحويون في قولهم ليل نائم ونهار صائم أي ذو نوم وصوم
واعلم أن إخراج المال في وقت القحط والضرورة أثقل على النفس وأوجب للأجر وهو كقوله لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ ( البقرة ١٧٧ ) وقال وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً ( الإنسان ٨ ) وقرأ الحسن ( ذا مسغبة ) نصبه بإطعام ومعناه أو إطعام في يوم من الأيام ذا مسغبة أما قوله تعالى
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة ٍ
قال الزجاج ذا قرابة تقول زيد ذو قرابتي وذو مقربتي وزيد قرابتي قبيح لأن القرابة مصدر قال مقاتل يعني يتيماً بينه وبينه قرابة فقد اجتمع فيه حقان يتم وقرابة فاطعامه أفضل وقيل يدخل فيه القرب بالجوار كما يدخل فيه القرب بالنسب أما قوله تعالى
أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة ٍ
أي مسكيناً قد لصق بالتراب من فقره وضره فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه روى أن ابن عباس مر بمسكين لاصق بالتراب فقال هذا الذي قال الله تعالى ( فيه ) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة ٍ واحتج الشافعي بهذه الآية على أن المسكين قد يكون بحيث يملك شيئاً لأنه لو كان لفظ المسكين دليلاً على أنه لا يملك شيئاً ألبتة لكان تقييده بقوله ذَا مَتْرَبَة ٍ تكريراً وهو غير جائز
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَة ِ
أما قوله تعالى ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ أي كان مقتحم العقبة من الذين آمنوا فإنه إن لم يكن منهم لم ينتفع بشيء من هذه الطاعات ولا مقتحماً للعقبة فإن قيل لما كان الإيمان شرطاً للانتفاع بهذه الطاعات وجب كونه مقدماً عليها فما السبب في أن الله تعالى أخره عنها بقوله ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ والجواب من وجوه أحدها أن هذا التراخي في الذكر لا في الوجود كقوله إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد قبل ذلك جده
لم يرد بقوله ثم ساد أبوه التأخر في الوجود وإنما المعنى ثم اذكر أنه ساد أبوه كذلك في الآية وثانيها أن يكون المراد ثم كان في عاقبة أمره من الذين آمنوا وهو أن يموت على الإيمان فإن الموافاة شرط الانتفاع بالطاعات وثالثها أن من أتى بهذه القرب تقربا إلى الله تعالى قبل إيمانه بمحمد ( ﷺ ) ثم آمن بعد ذلك بمحمد عليه الصلاة والسلام فعند بعضهم أنه يثاب على تلك الطاعات قالوا ويدل عليه ما روي ( أن حكيم بن حزام بعدما أسلم قال لرسول الله ( ﷺ ) إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء فقال عليه السلام أسلمت على ما قدمت من الخير ) ورابعها أن المراد من قوله ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ تراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العنق والصدقة لأن درجة ثواب الإيمان أعظم بكثير من درجة ثواب سائر الأعمال


الصفحة التالية
Icon