أنه كان يجوز في العقل وجود ما هو أعظم منه وما هو أصغر منه فاختصاص الشمس وسائر السماويات بالمقدار المعين لا بد وأن يكون لتقدير مقدر وتدبير مدبر وكما أن باني البيت يبنيه بحسب مشيئته فكذا مدبر الشمس وسائر السماويات قدرها بحسب مشيئته فقوله وَمَا بَنَاهَا كالتنبيه على هذه الدقيقة الدالة على حدوث الشمس وسائر السماويات
السؤال الثالث لم قال وَمَا بَنَاهَا ولم يقل ومن بناها الجواب من وجهين الأول أن المراد هو الإشارة إلى الوصفية كأنه قيل والسماء وذلك الشيء العظيم القادر الذي بناها ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها والثاني أن ما تستعمل في موضع من كقوله وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النّسَاء ( النساء ٢٢ ) والاعتماد على الأول
السؤال الرابع لم ذكر في تعريف ذات الله تعالى هذه الأشياء الثلاثة وهي السماء والأرض والنفس والجواب لأن الاستدلال على الغائب لا يمكن إلا بالشاهد والشاهد ليس إلا العالم الجسماني وهو قسمان بسيط ومركب والبسيط قسمان العلوية وإليه الإشارة بقوله وَالسَّمَاء والسفلية وإليه الإشارة بقوله والاْرْضِ ( الشمس ٦ ) والمركب هو أقسام وأشرفها ذوات الأنفس وإليه الإشارة بقوله وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( الشمس ٧ ) أما قوله تعالى
وَالاٌّرْضِ وَمَا طَحَاهَا
ففيه مسألتان
المسألة الأولى إنما أخر هذا عن قوله وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا لقوله وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( النازعات ٣٠ )
المسألة الثانية قال الليث الطحو كالدحوا وهو البسط وإبدال الطاء من الدال جائز والمعنى وسعها قال عطاء والكلبي بسطها على الماء
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
أما قوله تعالى وَنَفْسٍ وَمَا إن حملنا النفس على الجسد فتسويتها تعديل أعضائها على ما يشهد به علم التشريح وإن حملناها على القوة المدبرة فتسويتها إعطاؤها القوى الكثيرة كالقوة السامعة والباصرة والمخيلة والمفكرة والمذكورة على ما يشهد به علم النفس فإن قيل لم نكرت النفس قلنا فيه وجهان أحدهما أن يريد به نفساً خاصة من بين النفوس وهي النفس القدسية النبوية وذلك لأن كل كثرة فلا بد فيها من واحد يكون هو الرئيس فالمركبات جنس تحته أنواع ورئيسها الحيوان والحيوان جنس تحته أنواع ورئيسها الإنسان والإنسان أنواع وأصناف ورائيسها النبي والأنبياء كانوا كثيرين فلا بد وأن يكون هناك واحد يكون هو الرئيس المطلق فقوله طَحَاهَا وَنَفْسٍ إشارة إلى تلك النفس التي هي رئيسة لعالم المركبات رياسة بالذات الثاني أن يريد كل نفس ويكون المراد من التنكير التكثير على الوجه المذكور في قوله عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ وذلك لأن الحيوان أنواع لا يحصى عددها إلا الله على ما قال بعد ذكر بعض الحيوانات وَيَخْلُقُ مَالاً تَعْلَمُونَ ولكل نوع نفس مخصوصة متميزة


الصفحة التالية
Icon