وأما قوله ثالثاً وَسَيُجَنَّبُهَا الاْتْقَى فهذا لا يدل على حال غير الأتقى إلا على سبيل المفهوم والتمسك بدليل الخطاب وهو ينكر ذلك فكيف تمسك به والذي يؤكد هذا أن هذا يقتضي فيمن ليس بأتقى دخول النار فيلزم في الصبيان والمجانين أن يدخلوا النار وذلك باطل
وأما قوله رابعاً المراد منه نار مخصوصة وهي النار التي تتلظى فضعيف أيضاً لأن قوله نَاراً تَلَظَّى يحتمل أن يكون ذلك صفة لكل النيران وأن يكون صفة لنار مخصوصة لكنه تعالى وصف كل نار جهنم بهذا الوصف في آية أخرى فقال كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَة ً لّلشَّوَى
وأما قوله المراد إن هذا الأشقى أحق به فضعيف لأنه ترك للظاهر من غير دليل فثبت ضعف الوجوه التي ذكرها القاضي فإن قيل فما الجواب عنه على قولكم فإنكم لا تقطعون بعدم وعيد الفساق الجواب من وجهين الأول ما ذكره الواحدي وهو أن معنى لاَ يَصْلَاهَا لا يلزمها في حقيقة اللغة يقال صلى الكافر النار إذا لزمها مقاسياً شدتها وحرها وعندنا أن هذه الملازمة لا تثبت إلا للكافر أما الفاسق فإما أن لا يدخلها أو إن دخلها تخلص منها الثاني أن يخص عموم هذا الظاهر بالآيات الدالة على وعيد الفساق والله أعلم قوله تعالى
وَسَيُجَنَّبُهَا الاٌّ تْقَى الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لاًّحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَة ٍ تُجْزَى
معنى سيجنبها أي سيبعدها ويجعل منها على جانب يقال جنبته الشيء أي بعدته وجنبته عنه وفيه مسألتان
المسألة الأولى أجمع المفسرون منا على أن المراد منه أبو بكر رضي الله تعالى عنه واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية ويقولون إنها نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام والدليل عليه قوله تعالى وَيُؤْتُونَ الزَّكَواة َ وَهُمْ رَاكِعُونَ ( المائدة ٥٥ ) فقوله الاْتْقَى الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى إشارة إلى ما في الآية من قوله يُؤْتُونَ الزَّكَواة َ وَهُمْ رَاكِعُونَ ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية أبو بكر وتقريرها أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق فإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد هو أبو بكر فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود إنما قلنا إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( الحجرات ١٣ ) والأكرم هو الأفضل فدل على أن كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل فإن قيل الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم قلنا وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن أما عكسه فغير مفيد فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو فقيل هو الأتقى وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله فثبت أن الأتقى المذكور ههنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله فنقول لا بد وأن يكون المراد به أبا بكر لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله إما أبو بكر أو علي ولا يمكن حمل هذه الآية على علي بن أبي طالب فتعين حملها على أبي بكر وإنما قلنا إنه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى وَمَا لاِحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَة ٍ تُجْزَى


الصفحة التالية
Icon