السؤال الثاني دلت هذه الآية على أنه تعالى يزيد في عذاب الكافر أبداً فتلك الزيادة إما أن يقال إنها كانت مستحقة لهم أو غير مستحقة فإن كانت مستحقة لهم كان تركها في أول الأمر إحساناً والكريم إذا أسقط حق نفسه فإنه لا يليق به أن يسترجعه بعد ذلك وأما إن كانت تلك الزيادة غير مستحقة كان إيصالها إليهم ظلماً وإنه لا يجوز على الله الجواب كما أن الشيء يؤثر بحسب خاصية ذاته فكذا إذا دام ازداد تأثيره بحسب ذلك الدوام فلا جرم كلما كان الدوام أكثر كان الإيلام أكثر وأيضاً فتلك الزيادة مستحقة وتركها في بعض الأوقات لا يوجب الإبراء والإسقاط والله علم بما أراد
واعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أتبعه بوعد الأخيار وهو أمور
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً
أولها قوله تعالى إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً أما المتقي فقد تقدم تفسيره في مواضع كثيرة ومفازاً يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى فوزاً وظفراً بالبغية ويحتمل أن يكون موضع فوز والفوز يحتمل أن يكون المراد منه فوزاً بالمطلوب وأن يكون المراد منه فوزاً بالنجاة من العذاب وأن يكون المراد مجموع الأمرين وعندي أن تفسيره بالفوز بالمطلوب أولى من تفسيره بالفوز بالنجاة من العذاب ومن تفسيره بالفوز بمجموع الأمرين أعني النجاة من الهلاك والوصول إلى المطلوب وذلك لأنه تعالى فسر المفاز بما بعده وهو قوله مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً فوجب أن يكون المراد من المفاز هذا القدر فإن قيل الخلاص من الهلاك أهم من حصول اللذة فلم أهمل الأهم وذكر غير الأهم قلنا لأن الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز باللذة والخير أما الفوز باللذة والخير فيستلزم الخلاص من الهلاك فكان ذكر هذا أولى
حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً
وثانيها قوله تعالى حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً والحدائق جمع حديقة وهي بستان محوط عليه من قولهم أحدقوا به أي أحاطوا به والتنكير في قوله وَأَعْنَاباً يدل على تعظيم حال تلك الأعناب
وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً
وثالثها قوله تعالى وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً كواعب جمع كاعب وهي النواهد التي تكعبت ثديهن وتفلكت أي يكون الثدي في النتوء كالكعب والفلكة
وَكَأْساً دِهَاقاً
ورابعها قوله تعالى وَكَأْساً دِهَاقاً وفي الدهاق أقوال الأول وهو قول أكثر أهل اللغة كأبي عبيدة والزجاج والكسائي والمبرد و دِهَاقاً أي ممتلئة دعا ابن عباس غلاماً له فقال اسقنا دهاقاً فجاء الغلام بها ملأى فقال ابن عباس هذا هو الدهاق قال عكرمة ربما سمعت ابن عباس يقول اسقنا وادهق لنا القول الثاني دهاقاً أي متتابعة وهو قول أبي هريرة وسعيد بن جبير ومجاهد قال الواحدي وأصل هذا القول من قول العرب أدهقت الحجارة إدهاقاً وهو شدة تلازمها ودخول بعضها في بعض ذكرها الليث والمتتابع كالمتداخل القول الثالث يروى عن عكرمة أنه قال دِهَاقاً أي صافية والدهاق على هذا القول يجوز أن يكون جمع داهق وهو خشبتان يعصر بهما والمراد بالكأس الخمر قال الضحاك كل كأس في القرآن فهو خمر التقدير وخمراً ذات دهاق أي عصرت وصفيت بالدهاق


الصفحة التالية
Icon