( الأحزاب ٦ ) وهو أب لهم وأمته في الجنة فيكون كأن أولاده في الجنة ثم سمى الولد قرة أعين حيث حكى عنهم هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّة َ أَعْيُنٍ ( الفرقان ٧٤ ) وثالثها الآخرة خير لك لأنك اشتريتها أما هذه ليست لك فعلى تقدير أن لو كانت الآخرة أقل من الدنيا لكانت الآخرة خيراً لك لأن مملوكك خير لك مما لا يكون مملوكاً لك فكيف ولا نسبة للآخرة إلى الدنيا في الفضل ورابعها الآخرة خير لك من الأولى لأن في الدنيا الكفار يطعنون فيك أما في الآخرة فأجعل أمتك شهداء على الأمم وأجعلك شهيداً على الأنبياء ثم أجعل ذاتي شهيداً لك كما قال وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ( الفتح ٢٩ ٢٨ ) وخامسها أن خيرات الدنيا قليلة مشوبة منقطعة ولذات الآخرة كثيرة خالصة دائمة
السؤال الثاني لم قال وَلَلاْخِرَة ُ خَيْرٌ لَّكَ ولم يقل خير لكم الجواب لأنه كان في جماعته من كانت الآخرة شراً له فلو أنه سبحانه عمم لكان كذباً ولو خصص المطيعين بالذكر لافتضح المذنبون والمنافقون ولهذا السبب قال موسى عليه السلام كَلاَّ إِنَّ مَعِى َ رَبّى سَيَهْدِينِ ( الشعراء ٦٢ ) وأما محمد ( ﷺ ) قالذي كان معه لما كان من أهل السعادة قطعاً لا جرم قال إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ( التوبة ٤٠ ) إذ لم يكن ثم إلا نبي وصديق وروي أن موسى عليه السلام خرج للاستسقاء ومعه الألوف ثلاثة أيام فلم يجدوا الإجابة فسأل موسى عليه السلام عن السبب الموجب لعدم الإجابة فقال لا أجيبكم ما دام معكم ساع بالنميمة فسأل موسى من هو فقال ( إني ) أبغضه فكيف أعمل عمله فما مضت مدة قليلة حتى نزل الوحي بأن ذلك النمام قد مات وهذه جنازته في مصلى كذا فذهب موسى عليه السلام إلى تلك المصلى فإذا فيها سبعون من الجنائز فهذا ستره على أعدائه فكيف على أوليائه ثم تأمل فإن فيه دقيقة لطيفة وهي أنه عليه السلام قال ( لولا شيوخ ركع ) وفيه إشارة إلى زيادة فضيلة هذه الأمة فإنه تعالى كان يرد الألوف لمذنب واحد وههنا يرحم المذنبين لمطيع واحد
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
واعلم اتصاله بما تقدم من وجهين الأول هو أنه تعالى لما بين أن الآخرة خير له من الأولى ولكنه لم يبين أن ذلك التفاوت إلى أي حد يكون فبين بهذه الآية مقدار ذلك التفاوت وهو أنه ينتهي إلى غاية ما يتمناه الرسول ويرتضيه الوجه الثاني كأنه تعالى لما قال وَلَلاْخِرَة ُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَى ( الضحى ٤ ) فقيل ولم قلت إن الأمر كذلك فقال لأنه يعطيه كل ما يريده وذلك مما لا تتسع الدنيا له فثبت أن الآخرة خير له من الأولى واعلم أنه إن حملنا هذا الوعد على الآخرة فقد يمكن حمله على المنافع وقد يمكن حمله على التعظيم أما المنافع فقال ابن عباس ألف قصر في الجنة من لؤلؤ أبيض ترابه المسك وفيها ما يليق بها وأما التعظيم فالمروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة يروى أنه عليه السلام لما نزلت هذه الآية قال إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه أحدها أنه تعالى أمره في الدنيا بالاستغفار فقال أَسْتَغْفِرُ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ( محمد ١٩ ) فأمره بالاستغفار والاستغفار عبارة عن طلب المغفرة ومن طلب شيئاً فلا شك أنه لا يريد الرد ولا يرضى به وإنما