على هذا الكلام لأنه نفى الملك والذي يحصل بفضله وإحسانه فهو غير مملوك فثبت أن هذا السؤال غير لازم والذي يدل من جهة العقل على أن أحداً من المخلوقين لا يملك خطاب الله وجوه الأول وهو أن كل ما سواء فهو مملوكه والمملوك لا يستحق على مالكه شيئاً وثانيها أن معنى الاستحقاق عليه هو أنه لو لم يفعل لاستحق الذم ولو فعلة لاستحق المدح وكل من كان كذلك كان ناقصاً في ذاته مستكملاً بغيره وتعالى الله عنه وثالثها أنه عالم بقبح القبيح عالم بكونه غنياً عنه وكل من كان كذلك لم يفعل القبيح وكل من امتنع كونه فاعلاً للقبيح فليس لأحد أن يطالبه بشيء وأن يقول له لم فعلت والوجهان الأولان مفرعان على قول أهل السنة والوجه الثالث يتفرع على قول المعتزلة فثبت أن أحداً من المخلوقات لا يملك أن يخاطب ربه ويطالب إلهه
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن أحداً من الخلق لا يمكنه أن يخاطب الله في شيء أو يطالبه بشيء قرر هذا المعنى وأكده فقال تعالى خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً
وذلك لأن الملائكة أعظم المخلوقات قدراً ورتبة وأكثر قدرة ومكانة فبين أنهم لا يتكلمون في موقف القيامة إجلالاً لربهم وخوفاً منه وخضوعاً له فكيف يكون حال عيرهم وفي الآية مسائل
المسألة الأولى لمن يقول بتفضيل الملك على البشر أن يتمسك بهذه الآية وذلك لأن المقصود من الآية أن الملائكة لما بقوا خائفين خاضعين وجلين متحيرين في موقف جلال الله وظهور عزته وكبريائه فكيف يكون حال غيرهم ومعلوم أن هذا الاستدلال لا يتم إلا إذا كانوا أشرف المخلوقات
المسألة الثانية اختلفوا في الروح في هذه الآية فعن ابن مسعود أنه ملك أعظم من السموات والجبال وعن ابن عباس هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً وعن مجاهد خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون وليس بناس وعن الحسن وقتادة هم بنو آدم وعلى هذا معناه ذو الروح وعن ابن عباس أرواح الناس وعن الضحاك والشعبي هو جبريل عليه السلام وهذا القول هو المختار عند القاضي قال لأن القرآن دل على أن هذا الاسم اسم جبريل عليه السلام وثبت أن القيام صحيح من جبريل والكلام صحيح منه ويصح أن يؤذن له فكيف يصرف هذا الاسم عنه إلى خلق لا نعرفه أو إلى القرآن الذي لا يصح وصفه بالقيام أما قوله صَفَّا فيحتمل أن يكون المعنى أن الروح على الاختلاف الذي ذكرناه وجميع الملائكة يقومون صفاً واحداً ويجوز أن يكون المعنى يقومون صفين ويجوز صفوفاً والصف في الأصل مصدر فينبىء عن الواحد والجمع وظاهر قول المفسرين أنهم يقومون صفين فيقوم الروح وحده صفاً وتقوم الملائكة كلهم صفاً واحداً فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم وقال بعضهم بل يقومون صفوفاً لقوله تعالى وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ( الفجر ٢٢ )
المسألة الثالثة الاستثناء إلى من يعود فيه قولان


الصفحة التالية
Icon