بالخطاب دليل على زيادة الإنكار كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً بالتوبيخ وإلزام الحجة
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى
فيه قولان الأول أي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى لعله يتطهر بما يتلقن منك من الجهل أو الإثم أو يتعظ فتنفعه ذكراك أي موعظتك فتكون له لطفاً في بعض الطاعات وبالجملة فلعل ذلك العلم الذي يتلقفه عنك يطهره عن بعض مالا ينبغي وهو الجهل والمعصية أو يشغله ببعض ما ينبغي وهو الطاعة الثاني أن الضمير في لعله للكافر بمعنى أنت طمعت في أن يزكى الكافر بالإسلام أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وَمَا يُدْرِيكَ أن ما طمعت فيه كائن وقرىء فتنفعه بالرفع عطفاً على يذكر وبالنصب جواباً للعل كقوله فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَاهِ مُوسَى ( غافر ٣٧ ) وقد مر
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى
ثم قال أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى قال عطاء يريد عن الإيمان وقال الكلبي استغنى عن الله وقال بعضهم استغنى أثرى وهو فاسد ههنا لأن إقبال النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى فأنت تقبل عليه ولأنه قال وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى ( عبس ٩ ٨ ) ولم يقل وهو فقير عديم ومن قال أما من استغنى بماله فهو صحيح لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن بماله من المال
فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى
قال الزجاج أي أنت تقبل عليه وتتعرض له وتميل إليه يقال تصدى فلان لفلان يتصدى إذا تعرض له والأصل فيه تصدد يتصدى من الصدد وهو ما استقبلك وصار قبالتك وقد ذكرنا مثل هذا من قوله إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَة ً ( الأنفال ٣٥ ) وقرىء تصدى بالتشديد بإدغام التاء في الصاد وقرأ أبو جعفر تصدى بضم التاء أي تعرض ومعناه يدعوك ( داع إلى ) التصدي له من الحرص والتهالك على إسلامه
وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى
ثم قال تعالى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى المعنى لا شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام فإنه ليس عليك إلا البلاغ أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم إلى أن تعرض عمن أسلم للاشتغال بدعوتهم
وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى
ثم قال وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى أن يسرع في طلب الخير كقوله فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الجمعة ٩ )
وقوله وَهُوَ يَخْشَى فيه ثلاثة أوجه يخشى الله ويخافه في أن لا يهتم بأداء تكاليفه أو يخشى


الصفحة التالية
Icon