فَأيْنَ تَذْهَبُونَ
ثم قال تعالى فَأيْنَ تَذْهَبُونَ وهذا استضلال لهم يقال لتارك الجادة اعتسافاً أين تذهب مثلت حالهم بحالة في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل والمعنى أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم قال الفراء العرب تقول إلى أين تذهب وأين تذهب وتقول ذهبت الشام وانطلقت السوق واحتج أهل الاعتزال بهذه الآية وجهه ظاهر
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
ثم بين أن القرآن ما هو فقال إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ أي هو بيان وهداية للخلق أجمعين
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ
ثم قال لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وهو بدل من العالمين والتقدير إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم وفائدة هذا الإبدال أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم والمعنى أن القرآن إنما ينتفع به من شاء أن يستقيم ثم بين أن مشيئة الاستقامة موقوفة على مشيئة الله
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
أي إلا أن يشاء الله تعالى أن يعطيه تلك المشيئة لأن فعل تلك المشيئة صفة محدثة فلا بد في حدوثها من مشيئة أخرى فيظهر من مجموع هذه الآيات أن فعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء فأفعال العباد في طرفي ثبوتها وانتفائها موقوفة على مشيئة الله وهذا هو قول أصحابنا وقول بعض المعتزلة إن هذه الآية مخصوصة بمشيئة القهر والإلجاء ضعيف لأنا بينا أن المشيئة الاختيارية شيء حادث فلا بد له من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها وحينئذ يعود الإلزام والله أعلم بالصواب


الصفحة التالية
Icon