اختلاف الخلق والألوان كاختلاف الأحوال في الغنى والفقر والصحة والسقم فكما أنا نقطع أنه سبحانه إنما ميز البعض عن البعض في الغنى والفقر وطول العمر وقصره بحكمة بالغة لا يحيط بكنهها إلا هو فكذلك نعلم أنه إنما جعل البعض مخالفاً للبعض في الخلق والألوان بحكمة بالغة وذلك لأن بسبب هذا الاختلاف يتميز المحسن عن المسيء والقريب عن الأجنبي ثم قال ونحن نشهد شهادة لا شك فيها أنه سبحانه لم يفرق بين المناظر والهيئات إلا لما علم من صلاح عباده فيه وإن كنا جاهلين بعين الصلاح القول الثالث قال الواسطي المراد صورة المطيعين والعصاة فليس من ركبه على صورة الولاية كمن ركبه على صورة العداوة قال آخرون إنه إشارة إلى صفاء الأرواج وظلمتها وقال الحسن منهم من صوره ليستخلصه لنفسه ومنهم من صوره ليشغله بغيره مثال الأول أنه خلق آدم ليخصه بألطاف بره وإعلاء قدره وأظهر روحه من بين جماله وجلاله وتوجه بتاج الكرامة وزينه برداء الجلال والهيبة
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ
قوله تعالى كَلاَّ بَلْ تُكَذّبُونَ بِالدّينِ اعلم أنه سبحانه لما بين بالدلائل العقلية على صحة القول بالبعث والنشور على الجملة فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك وهو أنواع
النوع الأول أنه سبحانه زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله كَلاَّ و بَلِ حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدم وتحقق غيره فلا جرم ذكروا في تفسير كَلاَّ وجوهاً الأول قال القاضي معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم وإرشادي لكم بل تكذبون بيوم الدين الثاني كلا أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله ثم كأنه قال وإنكم لا ترتدعون عن ذلك بل تكذبون بالدين أصلاً الثالث قال القفال كلا أي ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ولا نشور لأن ذلك يوجب أن الله تعالى خلق الخلق عبثاً وسدى وحاشاه من ذلك ثم كأنه قال وإنكم لا تنتفعون بهذا البيان بل تكذبون وفي قوله تُكَذّبُونَ بِالدّينِ وجهان الأول أن يكون المراد من الدين الإسلام والمعنى أنكم تكذبون بالجزاء على الدين والإسلام الثاني أن يكون المراد من الدين الحساب والمعنى أنكم تكذبون بيوم الحساب
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
النوع الثاني قوله تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
والمعنى التعجب من حالهم كأنه سبحانه قال إنكم تكذبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ونظيره قوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ( ق ١٨ ١٧ ) وقوله تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة ً ( الأنعام ٦١ ) ثم ههنا مباحث
الأول من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه أحدها أن هؤلاء الملائكة إما أن يكونوا مركبين من الأجسام اللطيفة كالهواء والنسيم والنار أو من الأجسام الغليظة فإن كان الأول لزم أن


الصفحة التالية
Icon