كراماً وثالثها كونهم كاتبين ورابعها كونهم يعلمون ما تفعلون وفيه وجهان أحدهما أنهم يعلمون تلك الأفعال حتى يمكنهم أن يكتبوها وهذا تنبيه على أن الإنسان لا يجوز له الشهادة إلا بعد العلم والثاني أنهم يكتبونها حتى يكونوا عالمين بها عند أداء الشهادة
واعلم أن وصف الله إياهم بهذه الصفات الخمسة يدل على أنه تعالى أثنى عليهم وعظم شأنهم وفي تعظيمهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله تعالى من جلائل الأمور ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه هؤلاء العظماء الأكابر قال أبو عثمان من يزجره من المعاصي مراقبة الله إياه كيف يرده عنها كتابة الكرام الكاتبين
إِنَّ الاٌّ بْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ
النوع الثالث من تفاريع مسألة الحشر قوله تعالى إِنَّ الاْبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدّينِ وَهُمْ عَنْهُمْ بِغَائِبِينَ
اعلم أن الله تعالى لما وصف الكرام الكاتبين لأعمال العباد ذكر أحوال العاملين فقال إِنَّ الاْبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وهو نعيم الجنة وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ وهو النار وفيه مسألتان
المسألة الأولى أن القاطعين بوعيد أصحاب الكبائر تمسكوا بهذه الآية فقالوا صاحب الكبيرة فاجر والفجار كلهم في الجحيم لأن لفظ الجحيم إذا دخل عليه الألف واللام أفاد الاستغراق والكلام في هذه المسألة قد استقصيناه في سورة البقرة وههنا نكت زائدة لا بد من ذكرها قالت الوعيدية حصلت في هذه الآية وجوه دالة على دوام الوعيد أحدها قوله تعالى يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدّينِ ويوم الدين يوم الجزاء ولا وقت إلا ويدخل فيه كما تقول يوم الدنيا ويوم الآخرة الثاني قال الجبائي لو خصصنا قوله وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ لكان بعض الفجار يصيرون إلى الجنة ولو صاروا إليها لكانوا من الأبرار وهذا يقتضي أن لا يتميز الفجار عن الأبرار وذلك باطل لأن الله تعالى ميز بين الأمرين فإذن يجب أن لا يدخل الفجار الجنة كما لا يدخل الأبرار النار والثالث أنه تعالى قال وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وهو كقوله وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ( المائدة ٣٧ ) وإذا لم يكن هناك موت ولا غيبة فليس بعدهما إلا الخلود في النار أبد الآبدين ولما كان اسم الفاجر يتناول الكافر والمسلم صاحب الكبيرة ثبت بقاء أصحاب الكبائر أبداً في النار وثبت أن الشفاعة للمطيعين لا لأهل الكبائر والجواب عنه أنا بينا أن دلالة ألفاظ العموم على الاستغراق دلالة ظنية ضعيفة والمسألة قطعية والتمسك بالدليل الظني في المطلوب القطعي غير جائز بل ههنا ما يدل على قولنا لأن استعمال الجمع المعرف بالألف واللام في المعهود السابق شائع في اللغة فيحتمل أن يكون اللفظ ههنا عائداً إلى الكافرين الذين تقدم ذكرهم من المكذبين بيوم الدين والكلام في ذلك قد تقدم على سبيل الاستقصاء سلمنا أن العموم يفيد القطع لكن لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر والدليل عليه قوله تعالى في حق الكفار أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَة ُ الْفَجَرَة ُ ( عبس ٤٢ ) فلا يخلو إما أن يكون المراد أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَة ُ الذين يكونون من جنس الفجرة أو المراد أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَة ُ وهم الْفَجَرَة ُ والأول باطل لأن كل كافر فهو فاجر بالإجماع فتقييد الكافر بالكافر الذي يكون من جنس


الصفحة التالية
Icon