التطفيف فلم يكن حينئذ للتطفيف أثر في هذا الويل لكن الآية دالة على أن الموجب لهذا الويل هو التطفيف الثاني أنه تعالى قال للمخاطبين بهذه الآية أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ( المطففين ٥ ٤ ) فكأنه تعالى هدد المطففين بعذاب يوم القيامة والتهديد بهذا لا يحصل إلا مع المؤمن فثبت بهذين الوجهين أن هذا الوعيد مختص بأهل الصلاة والجواب عنه ما تقدم مراراً ومن لواحق هذه المسألة أن هذا الوعيد يتناول من يفعل ذلك ومن يعزم عليه إذ العزم عليه أيضاً من الكبائر واعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم وذلك لأن عامة الخلق يحتاجون إلى المعاملات وهي مبنية على أمر المكيال والميزان فلهذا السبب عظم الله أمره فقال وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الْمِيزَانِ وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ ( الرحمن ٩ ٧ ) وقال وَلَقَدْ أَرْسَلنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ( الحديد ٢٥ ) وعن قتادة ( أوف يا ابن آدم الكيل كما تحب أن يوفي لك واعدل كما تحب أن يعدل لك ) وعن الفضيل بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة وقال أعرابي لعبد الملك بن مروان قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففينا أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم في أخذ القليل فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ الكثير وتأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن
أَلا يَظُنُّ أُوْلَائِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
اعلم أنه تعالى وبخ هؤلاء المطففين فقال أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ الذين يطففون أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يوم القيامة وفي الظن ههنا قولان الأول أن المراد منه العلم وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدقين بالبعث ويحتمل أن لا يكونوا كذلك أما الاحتمال الأول فهو ما روي أن المسلمين من أهل المدينة وهم الأوس والخزرج كانوا كذلك وحين ورد النبي ( ﷺ ) كان ذلك شائعاً فيهم وكانوا مصدقين بالبعث والنشور فلا جرم ذكروا به وأما إن قلنا بأن المخاطبين بهذه الآية ما كانوا مؤمنين بالبعث إلا أنهم كانوا متمكنين من الاستدلال عليه لما في العقول من إيصال الجزاء إلى المحسن والمسيء أو إمكان ذلك إن لم يثبت وجوبه وهذا مما يجوز أن يخاطب به من ينكر البعث والمعنى ألا يتفكرون حتى يعلموا أنهم مبعوثون لكنهم قد أعرضوا عن التفكر وأراحوا أنفسهم عن متاعبه ومشاقه وإنما يجعل العلم الاستدلال ظناً لأن أكثر العلوم الاستدلالية راجع إلى الأغلب في الرأي ولم يكن كالشك الذي يعتدل الوجهان فيه لا جرم سمي ذلك ظناً القول الثاني أن المراد من الظن ههنا هو الظن نفسه لا العلم ويكون المعنى أن هؤلاء المطففين هب أنهم لا يجزمون بالبعث ولكن لا أقل من الظن فإن الأليق بحكمة الله ورحمته ورعايته مصالح خلقه أن لا يهمل أمرهم بعد الموت بالكلية وأن يكون لهم حشر ونشر وأن هذا الظن كاف في حصول الخوف كأنه سبحانه وتعالى يقول هب أن هؤلاء لا يقطعون به أفلا يظنونه أيضاً فأما قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ ففيه مسائل
المسألة الأولى قرىء يَوْمٍ بالنصب والجر أما النصب فقال الزجاج يوم منصوب بقوله


الصفحة التالية
Icon