يثيره الرياح فصح أن يقال هذا المطر إنما حصل من تلك الرياح كما يقال هذا من فلان أي من جهته وبسببه والثاني أن من ههنا بمعنى الباء والتقدير وأنزلنا بالمعصرات أي بالرياح المثيرة للسحاب ويروى عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعكرمة أنهم قرأوا وأنزلنا بالمعصرات وطعن الأزهري في هذا القول وقال الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر وقد وصف الله تعالى المعصرات بالماء الثجاج وجوابه إن الإعصار ليست من رياح المطر فلم لا يجوز أن تكون المعصرات من رياح المطر القول الثاني وهو الرواية الثانية عن ابن عباس واختيار أبي العالية والربيع والضحاك أنها السحاب وذكروا في تسمية السحاب بالمعصرات وجوها أحدها قال المؤرج المعصرات السحائب بلغة قريش وثانيها قال المازني يجوز أن تكون المعصرات هي السحائب ذوات الأعاصير فغن السحائب إذا عصرتها الأعاصير لا بد وأن ينزل المطر منها وثالثها أن المعصرات هي السحائب التي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولك أجز الزرع إذا حان له أن يجز ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض وأما الثجاج فاعلم أن الثج شدة الانصباب يقال مطر ثجاج ودم ثجاج أي شديد الانصباب
واعلم أن الثج قد يكون لازما وهو بمعنى الانصباب كما ذكرنا وقد يكون متعديا بمعنى الصب وفي الحديث ﴿ أفضل الحج العج والثج ﴾ أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي وكان ابن عباس مثجا أي يثج الكلام ثجا في خطبته وقد فسروا الثجاج في هذه الآية على الوجهين وقال الكلبي ومقاتل وقتادة الثجاج ههنا المتدفق المنصب وقال الزجاج معناه الصباب كأنه يثج نفسه أي يصب وبالجملة فالمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به
قوله تعالى لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا في الآية مسائل
المسألة الأولى كل شيء نبت من الأرض فإما أن لا يكون له ساق وإما أن يكون فإن لم يكن له ساق فإما أن يكون له أكمام وهو الحب وإما أن لا يكون له أكمام وهو الحشيش وهو المراد هنا بقوله نباتا وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى كلوا وارعوا أنعامكم طه ٥٤ وأما الذي له ساق فهو الشجر فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنة فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة وإنما قدم الله تعالى الحب لأنه هو الأصل في الغذاء وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه وإنما أخر الجنات في الذكر لأن الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية
المسألة الثانية اختلفوا في ألفافا فذكر صاحب الكشاف أنه لا واحد له كالأوزاع والأخياف والأوزاع الجماعات المتفرقة والأخياف الجماعات المختلطة وكثير من اللغويين أثبتوا له واحدا ثم اختلفوا فيه فقال الأخفش والكسائي واحدها لف بالكسر وزاد الكسائي لف بالضم وأنكر المبرد الضم وقال بل واحدها لفاء وجمعها لف وجمع لف ألفاف وقيل يحتمل أن يكون جمع لفيف كشريف وأشرف نقله القفال رحمه الله إذا عرفت هذا فنقول قوله وجنات ألفافا أي ملتفة والمعنى أن كل جنة فإن ما فيها من الشجر تكون مجتمعة متقاربة ألا تراهم يقولون امرأة لفاء إذا كانت غليظة الساق مجتمعة اللحم يبلغ من


الصفحة التالية
Icon