( القيامة ٢٣ ٢٢ ) ومما يؤكد هذا التأويل أنه يجب الابتداء بذكر أعظم اللذات وما هو إلا رؤية الله تعالى وثانيها قوله تعالى تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَة َ النَّعِيمِ وفيه مسألتان
المسألة الأولى المعنى إذا رأيتهم عرفت أنهم أهل النعمة بسبب ما ترى في وجوههم من القرائن الدالة على ذلك ثم في تلك القرائن قولان
أحدهما أنه ما يشاهد في وجوههم من الضحك والاستبشار على ما قال تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَة ٌ ضَاحِكَة ٌ مُّسْتَبْشِرَة ٌ ( عبس ٣٩ ٣٨ )
والثاني قال عطاء إن الله تعالى يزيد في وجوههم من النور والحسن والبياض ما لا يصفه واصف وتفسير النضرة قد سبق عند قوله نَّاضِرَة ٌ
المسألة الثانية قرىء تَعْرِفُ على البناء للمفعول جَنَّاتِ النَّعِيمِ بالرفع
وثالثها قوله يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ وفيه مسألتان
المسألة الأولى في بيان أن الرحيق ما هو قال الليث الرحيق الخمر وأنشد لحسان
بردى يصفق بالرحيق السلسل
وقال أبو عبيدة والزجاج الرحيق من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده ولعله هو الخمر الذي وصفه الله تعالى بقوله لّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ( الصافات ٤٧ )
المسألة الثانية ذكر الله تعالى لهذا الرحيق صفات
الصفة الأولى قوله رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ وفيه وجوه الأول قال القفال يحتمل أن هؤلاء يسقون من شراب مختوم قد ختم عليه تكريماً له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان وهناك خمر آخر تجري منها أنهار كما قال وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّة ٍ لّلشَّارِبِينَ ( محمد ١٥ ) إلا أن هذا المختوم أشرف في الجاري الثاني قال أبو عبيدة والمبرد والزجاج المختوم الذي له ختام أي عاقبة والثالث روي عن عبدالله في مختوم أنه ممزوج قال الواحدي وليس بتفسير لأن الختم لا يكون تفسيره المزج ولكن لما كانت له عاقبة هي ريح المسك فسره بالممزوج لأنه لو لم يمتزج بالمسك لما حصل فيه ريح المسك الرابع قال مجاهد مختوم مطين قال الواحدي كان مراده من الختم بالطين هو أن لا تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار والأقرب من جميع هذه الوجوه الوجه الأول الذي ذكره القفال الصفة الثانية لهذا الرحيق قوله خِتَامُهُ مِسْكٌ وفيه وجوه الأول قال القفال معناه أن الذي يختم به رأس قارورة ذلك الرحيق هو المسك كالطين الذي يختم به رؤوس القوارير فكان ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم وهذا الوجه مطابق للوجه الأول الذي حكيناه عن القفال في تفسير قوله مَّخْتُومٍ الثاني المراد من قوله خِتَامُهُ مِسْكٌ أي عاقبته المسك أي يختم له آخره بريح المسك وهذا الوجه مطابق للوجه الذي حكيناه عن أبي عبيدة في تفسير قوله مَّخْتُومٍ كأنه تعالى قال من رحيق له عاقبة ثم فسر تلك العاقبة فقال تلك العاقبة مسك أي من شربه كان ختم شربه على ريح المسك وهذا قول علقمة والضحاك وسعيد بن جبير ومقاتل وقتادة قالوا إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك والمعنى لذاذة


الصفحة التالية
Icon