المسألة الثانية قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ويصلى بضم الياء والتخفيف كقوله لِخَزَنَة ِ جَهَنَّمَ وهذه القراءة مطابقة للقراءة المشهورة لأنه يصلى فيصلى أي يدخل النار وقرأ ابن عامر ونافع والكسائي بضم الياء مثقلة كقوله ( وتصلية جحيم ) وقوله ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ( الحاقة ٣١ )
إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً
أما قوله تعالى إنه كان في أهله مسروراً فقد ذكر القفال فيه وجهين أحدهما أنه كان في أهله مسروراً أي منعماً مستريحاً من التعب بأداء العبادات واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والصوم والجهاد مقدماً على المعاصي آمناً من الحساب والثواب والعقاب لا يخاف الله ولا يرجوه فأبدله الله بذلك السرور الفاني غماً باقياً لا ينقطع وكان المؤمن الذي أوتي كتابه بيمينه متقياً من المعاصي غير آمن من العذاب ولم يكن في دنياه مسروراً في أهله فجعله الله في الآخرة مسروراً فأبدله الله تعالى بالغم الفاني سروراً دائماً لا ينفذ الثاني أن قوله إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً كقوله وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ ( المطففين ٣١ ) أي متنعمين في الدنيا معجبين بما هو عليه من الكفر فكذلك ههنا يحتمل أن يكون المعنى أنه كان في أهله مسروراً بما هم عليه من الكفر بالله والتكذيب بالبعث يضحك ممن آمن به وصدق بالحساب وقد روى عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )
إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ
أما قوله إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ فاعلم أن الحور هو الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس ما كنت أدرى ما معنى يحور حتى سمعت إعرابية تقول لابنتها حوري أي ارجعي ونقل القفال عن بعضهم أن الحور هو الرجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء كما قالوا ( نعوذ بالله من الحور بعد الكور ) فعلى الوجه الأول معنى الآية أنه ظن أن لن يرجع إلى الآخرة أي لن يبعث وقال مقاتل وابن عباس حسب أن لا يرجع إلى الله تعالى وعلى الوجه الثاني أنه ظن أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدنيا من السرور والتنعم
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً
ثم قال تعالى بَلَى أي ليبعثن وعلى الوجه الثاني يكون المعنى أن الله تعالى يبدل سروره بغم لا ينقطع وتنعمه ببلاء لا ينتهي ولا يزول
أما قوله إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بَصِيراً فقال الكلبي كان بصيراً به من يوم خلقه إلى أن بعثه وقال عطاء بصيراً بما سبق عليه في أم الكتاب من الشقاء وقال مقاتل بصيراً متى بعثه وقال الزجاج كان عالماً بأن مرجعه إليه ولا فائدة في هذه الأقوال إنما الفائدة في وجهين ذكرهما القفال الأول أن ربه كان عالماً بأنه سيجزيه والثاني أن ربه كان عالماً بما يعمله من الكفر والمعاصي فلم يكن يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله وهذا زجر لكل المكلفين عن جميع المعاصي


الصفحة التالية
Icon