هذه الآية معناها أنهم لما كذبوا محمداً ( ﷺ ) دعا عليهم فقال ( اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) فاشتد عليهم القحط وأصابهم الجهد فقالوا يا محمد ادع الله فإنا مؤمنون فدعا رسول الله ( ﷺ ) فأخصبت البلاد وأخصب أهل مكة بعد القحط فذاك قوله أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ ثم في الآية سؤالات
السؤال الأول العبادة إنما وجبت لأنه تعالى أعطى أصول النعم والإطعام ليس من أصول النعم فلما علل وجوب العبادة بالإطعام والجواب من وجوه أحدها أنه تعالى لما ذكر إنعامه عليهم بحبس الفيل وإرسال الطير وإهلاك الحبشة وبين أنه تعالى فعل ذلك لإيلافهم ثم أمرهم بالعبادة فكان السائل يقول لكن نحن محتاجون إلى كسب الطعام والذب عن النفس فلو اشتغلنا بالعبادة فمن ذا الذي أيطعمنا فقال الذي أطعمهم من جوع قبل أن يعبدوه ألا يطعمهم إذا عبدوها وثانيها أنه تعالى بعد أن أعطى العبد أصول النعم أساء العبد إليه ثم إنه يطعمهم مع ذلك فكأنه تعالى يقول إذا لم تستح من أصول النعم ألا تستحي من إحساني إليك بعد إساءتك وثالثها إنما ذكر الإنعام لأن البهيمة تطيع من يعلفها فكأنه تعالى يقول لست دون البهيمة
السؤال الثاني أليس أنه جعل الدنيا ملكاً لنا بقوله خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً فكيف تحسن المنة علينا بأن أعطانا ملكنا الجواب أنظر في الأشياء التي لا بد منها قبل الأكل حتى يتم الطعام ويتهيأ وفي الأشياء التي لا بد منها بعد الأكل حتى يتم الانتفاع بالطعام المأكول فإنك تعلم أنه لا بد من الأفلاك والكواكب ولا بد من العناصر الأربعة حتى يتم ذلك الطعام ولا بد من جملة الأعضاء على اختلاف أشكالها وصورها حتى يتم الانتفاع بالطعام وحينئذ تعلم أن الإطعام يناسب الأمر بالطاعة والعبادة
السؤال الثالث المنة بالإطعام لا تليق بمن له شيء من الكرم فكيف بأكرم الأكرمين الجواب ليس الغرض منه المنة بل الإرشاد إلى الأصلح لأنه ليس المقصود من الأكل تقوية الشهوة المانعة عن الطاعة بل تقوية البنية على أداء الطاعات فكأن المقصود من الأمر بالعبادة ذلك
السؤال الرابع ما الفائدة في قوله مِن جُوعٍ الجواب فيه فوائد أحدها التنبيه على أن أمر الجوع شديد ومنه قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وقوله ( ﷺ ) ( من أصبح آمناً في سربه ) الحديث وثانيها تذكيرهم الحالة الأولى الرديئة المؤلمة وهي الجوع حتى يعرفوا قدر النعمة الحاضرة وثالثها التنبيه على أن خير الطعام ما سد الجوعة لأنه لم يقل وأشبعهم لأن الطعام يزيل الجوع أما الإشباع فإنه يورث البطنة
أما قوله تعالى الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن ففي تفسيره وجوه أحدها أنهم كانوا يسافرون آمنين لا يتعرض لهم أحد ولا يغير عليهم أحد لا في سفرهم ولا في حضرهم وكان غيرهم لا يأمنون من الغارة في السفر والحضر وهذا معنى قوله أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءامِناً ثانيها أنه آمنهم من زحمة أصحاب الفيل وثالثها قال الضحاك والربيع وآمنهم من خوف الجزام فلا يصيبهم ببلدتهم


الصفحة التالية
Icon