أن يكون المراد من النحر غيرها لأنه يبعد أن يعطف بعض الشيء على جميعه ورابعها أن قوله فَصْلٌ إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله وَانْحَرْ إشارة إلى الشفقة على خلق الله وجملة العبودية لا تخرج عن هذين الأصلين وخامسها أن استعمال لفظة النحر على نحر البدن أشهر من استعماله في سائر الوجوه المذكورة فيجب حمل كلام الله عليه وإذا ثبت هذا فنقول استدلت الحنفية على وجوب الأضحية بأن الله تعالى أمره بالنحر ولا بد وأن يكون قد فعله لأن ترك الواجب عليه غير جائر وإذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام وجب علينا مثله لقوله وَاتَّبِعُوهُ ولقوله فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وأصحابنا قالوا الأمر بالمتابعة مخصوص بقوله ( ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم الضحى والأضحى والوتر )
المسألة الثالثة اختلف من فسر قوله فَصْلٌ بالصلاة على وجوه الأول أنه أراد بالصلاة جنس الصلاة لأنهم كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمره أن لا يصلي ولا ينحر إلا لله تعالى واحتج من جوز تأخير بيان المجمل بهذه الآية وذلك لأنه تعالى أمر بالصلاة مع أنه ما بين كيفية هذه الصلاة أجاب أبو مسلم وقال أراد به الصلاة المفروضة أعني الخمس وإنما لم يذكر الكيفية لأن الكيفية كانت معلومة من قبل القول الثاني أراد صلاة العيد والأضحية لأنهم كانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فنزلت هذه الآية قال المحققون هذا قول ضعيفلأن عطف الشيء على غيره بالواو لا يوجب الترتيب القول الثالث عن سعيد بن جبير صل الفجر بالمزدلفة وانحر بمنى والأقرب القول الأول لأنه لا يجب إذا قرن ذكر النحر بالصلاة أن تحمل الصلاة على ما بقع يوم النحر
المسألة الرابعة اللام في قوله لِرَبّكِ فيها فوائد الفائدة الأولى هذه اللام للصلاة كالروح للبدن فكما أن البدن من الفرق إلى القدم إنما يكون حسناً ممدوحاً إذا كان فيه روح أما إذا كان ميتاً فيكون مرمياً كذا الصلاة والركوع والسجود وإن حسنت في الصورة وطالت لو لم يكن فيها لام لربك كانت ميتة مرمية والمراد من قوله تعالى لموسى اتْلُ مَا لِذِكْرِى وقيل إنه كانت صلاتهم ونحرهم للصنم فقيل له لتكن صلاتك ونحرك لله
الفائدة الثانية كأنه تعالى يقول ذكر في السورة المتقدمة أنهم كانوا يصلون للمراءآة فصل أنت لا للرياء لكن على سبيل الإخلاص
المسألة الخامسة الفاء في قوله فَصْلٌ تفيد سببية أمرين أحدهما سببية العبادة كأنه قيل تكثير الإنعام عليك يوجب عليك الاشتغال بالعبودية والثاني سببية ترك المبالاة كأنهم لما قالوا له إنك أبتر فقيل له كما أنعمنا عليك بهذه النعم الكثيرة فاشتغل أنت بطاعتك ولا تبال بقولهم وهذيانهم
واعلم أنه لما كانت النعم الكثيرة محبوبة ولازم المحبوب محبوب والفاء في قوله فَصْلٌ اقتضت كون الصلاة من لوازم تلك النعم لا جرم صارت الصلاة أحب الأشياء للنبي عليه الصلاة والسلام فقال ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) ولقد صلى حتى تورمت قدماه فقيل له أوليس قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) فقوله ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) إشارة إلى أنه يجب على الاشتغال بالطاعة بمقتضى الفاء في قوله فَصْلٌ


الصفحة التالية
Icon