كالجبل ثم بعد ذلك رماه النبي ( ﷺ ) على أقبح وجه فلما رجع أخذه باليد اليسرى لأن اليسرى للاستنجاء فكان نجساً فصرعه على الأرض مرة أخرى ووضع قدمه على صدره فذكر بعض القصاص أن المراد من قوله إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ هذه الواقعة وخامسها أن الكفرة لما وصفوه بهذا الوصف قيل إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ أي الذي قالوه فيك كلام فاسد يضمحل ويفنى وأما المدح الذي ذكرناه فيك فإنه باق على وجه الدهر وسادسها أن رجلاً قام إلى الحسن بن علي عليهما السلام وقال سودت وجوه المؤمنين بأن تركت الإمامة لمعاوية فقال لا تؤذيني يرحمك الله فإن رسول الله رأى بني أمية في المنام يصعدون منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك فأنزل الله تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَة ِ الْقَدْرِ فكان ملك بني أمية كذلك ثم انقطعوا وصاروا مبتورين
المسألة الثالثة الكفار لما شتموه فهو تعالى أجاب عنه من غير واسطة فقال إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ وهكذا سنة الأحباب فإن الحبيب إذا سمع من يشتم حبيبه تولى بنفسه جوابه فههنا تولى الحق سبحانه جوابهم وذكر مثل ذلك في مواضع حين قالوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّة ٌ فقال سبحانه بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَة ِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ وحين قالوا هو مجنون أقسم ثلاثاً ثم قال مَا أَنتَ بِنِعْمَة ِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ ولما قالوا لَسْتَ مُرْسَلاً أجاب فقال يس وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وحين قالوا لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ رد عليهم وقال بَلْ جَاء بِالْحَقّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ فصدقه ثم ذكر وعيد خصمائه وقال إِنَّكُمْ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاْلِيمَ وحين قال حاكياً أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ قال وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ ولما حكى عنهم قوله وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ سماهم كاذبين بقوله فَقَدْ جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً ولما قالوا مَا لِهَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاْسْوَاقِ أجابهم فقال وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاْسْوَاقِ فما أجل هذه الكرامة
المسألة الرابعة اعلم أنه تعالى لما بشره بالنعم العظيمة وعلم تعالى أن النعمة لا تهنأ إلا إذا صار العدو مقهوراً لا جرم وعده بقهر العدو فقال إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ وفيه لطائف إحداها كأنه تعالى يقول لا أفعله لكي يرى بعض أسباب دولتك وبعض أسباب محنة نفسه فيقتله الغيظ وثانيها وصفه بكونه شانئاً كأنه تعالى يقول هذا الذي يبغضك لا يقدر على شيء آخر سوى أنه يبغضك والمبغض إذا عجز عن الإيذاء فحينئذ يحترق قلبه غيظاً وحسداً فتصير تلك العداوة من أعظم أسباب حصول المحنة لذلك العدو وثالثها أن هذا الترتيب يدل على أنه إنما صار أبتر لأنه كان شانئاً له ومبغضاً والأمر بالحقيقة كذلك فإن من عادى محسوداً فقد عادى الله تعالى لاسيما من تكفل بإعلان شأنه وتعظيم مرتبته ورابعها أن العدو وصف محمداً عليه الصلاة والسلام بالقلة والذلة ونفسه بالكثرة والدولة فقلب الله الأمر عليه وقال العزيز من أعزه الله والذليل من أذله الله فالكثرة والكوثر لمحمد عليه السلام والأبترية والدناءة والذلة للعدو فحصل بين أول السورة وآخرها نوع من المطابقة لطيف


الصفحة التالية
Icon