أملأ ظرف هديتك وأنا فقير فيقول الله في المعنى إن لم تجد شيئاً آخر فلا أقل من تحريك اللسان بالتسبيح والحمد والاستغفار فلمافعل محمد عليه الصلاة والسلام ذلك حصل معنى تهادوا لا جرم حصلت المحبة فلهذا كان محمد حبيب الله الوجه السابع كأنه تعالى يقول إذا جاءك النصر والفتح ودخول الناس في دينك فاشتغل أنت أيضاً بالتسبيح والحمد والاستغفار فإني قلت ( لئن شكرتم لأزدينكم ) فيصير اشتغالك بهذه الطاعات سبباً لمزيد درجاتك في الدنيا والآخرة ولا تزال تكون في الترقي حتى يصير الوعد بقولي أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ الوجه الثامن أن الإيمان إنما يتم بأمرين بالنفي والإثبات وبالبراءة والولاية فالنفي والبراءة قوله لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ والإثبات والولاية قوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ فهذه هي الوجوه الكلية المتعلقة بهذه السورة
واعلم أن في الآية أسراراً وإنما يمكن بيانها في معرض السؤال والجواب
السؤال الأول ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف الفتح على النصر الجواب من وجوه أحدها النصر هو الإعانة على تحصيل المطلوب والفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً وظاهر أن النصر كالسبب الفتح فلهذا بدأ يذكر النصر وعطف الفتح عليها وثانيها يحتمل أن يقال النصر كمال الدين والفتح الإقبال الدنيوي الذي هو تمام النعمة ونظير هذه الآية قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وثالثها النصر هو الظفر في الدنيا على المنى والفتح بالجنة كماقال وَفُتِحَتْ أَبْوابُهَا وأظهر الأقوال في النصر أنه الغلبة على قريش أو على جميع العرب
السؤال الثاني أن رسول الله ( ﷺ ) كان أبداً منصوراً بالدلائل والمعجزات فما المعنى من تخصيص لفظ النصر بفتح مكة والجواب من وجهين أحدهما المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع إنما جعل فظ النصر المطلق دالاً على هذا النصر المخصوص لأن هذا النصر لعظم موقعه من قلوب أهل الدنيا جعل ما قبله كالمعدوم كماأن المثاب عند دخول الجنة يتصور كأنه لم يذق نعمة قط وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ وثانيهما لعل المراد نصر الله في أمور الدنيا الذي حكم به لأنبيائه كقوله إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ
السؤال الثالث النصر لا يكون إلا من الله قال تعالى وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ فما الفائدة في هذا التقييد وهو قوله نَصْرُ اللَّهِ والجواب معناه نصر لا يليق إلا بالله ولا يليق أن يفعله إلا الله أو لا يليق إلا بحكمته ويقال هذا صنعة زيد إذا كان زيد مشهوراً بإحكام الصنعة والمراد منه تعظيم حال تلك الصنعة فكذا ههنا أو نصر الله لأنه إجابة لدعائهم مَتَى نَصْرُ اللَّهِ فيقول هذا الذي سألتموه
السؤال الرابع وصف النصر بالمجيء مجاز وحقيقته إذا وقع نصر الله فما الفائدة في ترك الحقيقة وذكر المجاز الجواب فيه إشارات إحداها أن الأمور مربوطة بأوقاتها وأنه سبحانه قدر لحدوث كل حادث أسباباً معينة وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم والتأخر والتغير والتبدل فإذا حضر ذلك الوقت وجاء ذلك الزمان


الصفحة التالية
Icon