وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إذ لا يقال فيما وقع إذا جاء وإذا وقع وإذا صح هذا القول صارت هذه الآية من جملة المعجزات من حيث إنه خبر وجد مخبره بعد حين مطابقاً له والإخبار عن الغيب معجز فإن قيل لم ذكر النصر مضافاً إلى الله تعالى وذكر الفتح بالألف واللام الجواب الأولف واللام للمعهود السابق فينصرف إلى فتح مكة
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً
قوله تعالى وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فيه مسائل
المسألة الأولى رأيت يحتمل أن يكون معناه أبصرت وأن يكون معناه علمت فإن كان معناه أبصرت كان يدخلون في محل النصب على الحال والتقدير ورأيت الناس حال دخولهم في دين الله أفواجاً وإن كان معناه علمت كان يدخلون في دين الله مفعولاً ثانياً لعلمت والتقدير علمت الناس داخلين في دين الله
المسألة الثانية ظاهر لفظ الناس للعموم فيقتضي أن يكون كل الناس كانوا قد دخلوا في الوجود مع أن الأمر ما كان كذلك الجواب من وجهين الأول أن المقصود من الإنسانية والعقل إنما هو الدين والطاعة على ما قال وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ فمن أعرض عن الدين الحق وبقي على الكفر فكأنه ليس بإنسان وهذا المعنى هو المراد من قوله أُوْلَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ وقال وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ وسئل الحسن بن علي عليه السلام من الناس فقال نحن الناس وأشياعنا أشباه الناس وأعداؤنا النسناس فقبله علي عليه السلام بين عينيه وقال الله أعلم حيث يجعل رسالته فإن قيل إنهم إنما دخلوا في الإسلام بعد مدة طويلة وتقصير كثير فكيف استحقوا هذا المدح العظيم قلنا هذا فيه إشارة إلى سعة رحمة الله فإن العبد بعد أن أتى بالكفر والمعصية طول عمره فإذا أتى بالإيمان في آخر عمره يقبل إيمانه ويمدحه هذا المدح العظيم ويروي أن الملائكة يقولون لمثل هذا الإنسان أتيت وإن كنت قد أتيت ويروى أنه عليه السلام قال ( لله أفرح بتوبة أحدكم من الضال الواجد والظمآن الوارد ) والمعنى كان الرب تعالى يقول ربيته سبعين سنة فإن مات على كفره فلا بد وأن أبعثه إلى النار فحينئذ يضيع إحساني إليه في سبعين سنة فكلما كانت مدة الكفر والعصيان أكثر كانت التوبة عنها أشد قبولاً الوجه الثاني في الجواب روى أن المراد بالناس أهل اليمن قال أبو هريرة لما نزلت هذه السورة قال رسول الله ( ﷺ ) ( الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية وقال أجد نفس ربكم من قبل اليمن )
المسألة الثالثة قال جمهور الفقهاء وكثير من المتكلمون إن إيمان المقلد صحيح واحتجوا بهذه الآية قالوا إنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج وجعله من أعظم المنن على محمد عليه السلام ولو لم يكن إيمانهم صحيحاً لما ذكره في هذا المعرض ثم إنا نعلم قطعاً أنهم ما كانوا عالمين حدوث الأجساد بالدليل ولا إثبات كونه تعالى منزهاً عن الجسمية والمكان والحيز ولا إثبات كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ولا إثبات قيام المعجز التام على يد محمد ( ﷺ ) ولا إثبات أن قيام المعجز كيف يدل على الصدق والعلم بأن أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري فعلمنا أن إيمان المقلد


الصفحة التالية
Icon