سبيل إليها إلا بالشرع ولذلك جعلت الصلاة كالمرصعة من التسبح والتكبير فإن قيل عدم وجوب التسبيحات يقتضي أنها أقل درجة من سائر أعمال الصلاة قلنا الجواب عنه من وجوه أحدها أن سائر أفعال الصلاة مما لا يميل القلب إليه فاحتيج فيها إلى الإيجاب أما التسبيح والتهليل فالعقل داع إليه والروح عاشق عليه فاكتفى بالحب الطبيعي ولذلك قال وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا وثانيها أن قوله فَسَبّحْ أمر والأمر المطلق للوجوب عند الفقهاء ومن قال الأمر المطلق للندب قال إنه ههنا للوجوب بقرينة أنه عطف عليه الاستغفار والاستغفار واجب ومن حق العطف التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه وثالثها أنها لو وجبت لكان العقاب الحاصل بتركها أعظم إظهاراً لمزيد تعظيمها فترك الإيجاب خوفاً من هذا المحذور
المسألة الرابعة أما الحمد فقد تقدم تفسيره وأما تفسير قوله فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ فذكروا فيه وجوهاً أحدها قال صاحب الكشاف أي قل سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ متعجباً مما أراك من عجيب أنعامه أي اجمع بينهما تقول شربت الماء باللبن إذا جمعت بينهما خلطاً وشرباً وثانيها أنك إذا حمدت الله فقد سبحته لأن التسبيح داخل في الحمد لأن الثناء عليه والشكر له لا بد وأن يتضمن تنزيهه عن النقائص لأنه لا يكون مستحقاً للثناء إلا إذا كان منزهاً عن النقص ولذلك جعل مفتاح القرآن بالحمد لله وعند فتح مكة قال الحمد لله الذي نصر عبده ولم يفتتح كلامه بالتسبيح فقوله فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ معناه سبحه بواسطة أن تحمده أي سبحه بهذا الطريق وثالثها أن يكون حالاً ومعناه سبح حامداً كقولك اخرج بسلاحك أي متسلحاً ورابعها يجوز أن يكون معناه سبح مقدراً أن تحمد بعد التسبيح كأنه يقول لا يتأتى لك الجمع لفظاً فاجمعهما نية كما أنك يوم النحر تنوي الصلاة مقدراً أن تنحر بعدها فيجتمع لك الثوابان في تلك الساعة كذا ههنا وخامسها أن تكون هذه الباء هي التي في قولك فعلت هذا بفضل الله أي سبحه بحمد الله وإرشاده وإنعامه لا بحمد غيره ونظيره في حديث الإفك قول عائشة ( بحمد الله لا بحمدك ) والمعنى فسبحه بحمده فإنه الذي هداك دون غيره ولذلك روى أنه عليه السلام كان يقول ( الحمد لله على الحمد لله ) وسادسها روى السدي بحمد ربك أي بأمر ربك وسابعها أن تكون الباء صلة زائدة ويكون التقدير سبح حمد ربك ثم فيه احتمالات أحدها اختر له أطهر المحامد وأزكاها والثاني طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة والتوسل بذكرها إلى الأغراض الدنيوية الفاسدة والثالث طهر محامد ربك عن أن تقول جئت بها كما يليق به وإليه الإشارة بقوله وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وثامنها أي ائت بالتسبيح بدلاً عن الحمد الواجب عليك وذلك لأن الحمد إنما يجب في مقابلة النعم ونعم الله علينا غير متناهية فحمدها لا يكون في وسع البشر ولذلك قال وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَة َ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا فكأنه تعالى يقول أنت عاجز عن الحمد فأت بالتسبيح والتنزيه بدلاً عن الحمد وتاسعها فيه إشارة إلى أن التسبيح والحمد أمر أن لا يجوز تأخير أحدهما عن الثاني ولا يتصور أيضاً أن يؤتى بهما معاً فنظيره من ثبت له حق الشفعة وحق الرد بالعيب وجب أن يقول اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع كذا قال فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ ليقعا معاً فيصير حامداً مسبحاً في وقت واحد معاً وعاشرها أن يكون المراد سبح قلبك أي طهر قلبك بواسطة مطالعة حمد ربك فإنك إذا رأيت أن الكل من الله فقد طهرت قلبك عن الالتفات إلى نفسك وجهدك فقوله فَسَبّحْ إشارة إلى نفي ما سوى الله تعالى وقوله بِحَمْدِ رَبّكَ إشارة


الصفحة التالية
Icon