يشافه عمه بهذا التغليظ الشديد وكان نوح مع أنه في نهاية التغليظ على الكفار قال في ابنه الكافر إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وكان إبراهيم عليه السلام يخاطب أباه بالشفقة في قوله يا أبت يا أبت وأبوه كان يخاطبه بالتغليظ الشديد ولما قال له لارْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيّاً قال سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي وأما موسى عليه السلام فلما بعثه إلى فرعون قال له ولهرون فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً مع أن جرم فرعون كان أغلظ من جرم أبي لهب كيف ومن شرع محمد عليه الصلاة والسلام أن الأب لا يقتل بابنه قصاصاً ولا يقيم الرجم عليه وإن خاصمه أبوه وهو كافر في الحرب فلا يقتله بل يدفعه عن نفسه حتى يقتله غيره والجواب من وجوه أحدها أنه كان يصرف الناس عن محمد عليه الصلاة والسلام بقوله إنه مجنون والناس ما كانوا يتهمونه لأنه كان كالأب له فصار ذلك كالمانع من أداء الرسالة إلى الخلق فشافهه الرسول بذلك حتى عظم غضبه وأظهر العداوة الشديدة فصار بسبب تلك العداوة متهماً في القدح في محمد عليه الصلاة والسلام فلم يقبل قوله فيه بعد ذلك وثانيها أن الحكمة في ذلك أن محمداً لو كان يداهن أحداً في الدين ويسامحه فيه لكانت تلك المداهنة والمسامحة مع عمه الذي هو قائم مقام أبيه فلما لم تحصل هذه المداهنة معه انقطعت الأطماع وعلم كل أحد أنه لا يسامح أحداً في شيء يتعلق بالدين أصلاً وثالثها أن الوجه الذي ذكرتم كالمتعارض فإن كونه عماً يوجب أن يكون له الشفقة العظيمة عليه فلما انقلب الأمر وحصلت العداوة العظيمة لا جرم استحق التغليظ العظيم
السؤال الثالث ما السبب في أنه لم يقل قل تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ وقال في سورة الكافرون قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ الجواب من وجوه الأول لأن قرابة العمومة تقتضي رعاية الحرمة فلهذا السبب لم يقل له قل ذلك لئلا يكون مشافهاً لعمه بالشتم بخلاف السورة الأخرى فإن أولئك الكفار ما كانوا أعماماً له الثاني أن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله تعالى يا محمد أجب عنهم قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي هذه السورة طعنوا في محمد فقال الله تعالى أسكت أنت فإني أشتمهم تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ الثالث لما شتموك فاسكت حتى تندرج تحت هذه الآية وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً وإذا سكت أنت أكون أنا المجيب عنك يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتاً فجعل الرسول يدفع ذلك الشاتم ويزجره فلما شرع أبو بكر في الجواب سكت الرسول فقال أبو بكر ما السبب في ذلك قال لأنك حين كنت ساكتاً كان الملك يجيب عنك فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان
واعلم أن هذا تنبيه من الله تعالى على أن من لا يشافه السفيه كان الله ذاباً عنه وناصراً له ومعيناً
السؤال الرابع ما الوجه في قراءة عبد الله بن كثير المكي حيث كان يقرأ أَبِى لَهَبٍ ساكنة الهاء الجواب قال أبو علي يشبه أن يكون لهب ولهب لغتين كالشمع والشمع والنهر والنهر وأجمعوا في قوله سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ على فتح الهاء وكذا قوله وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ وذلك يدل على أن الفتح أوجه من الإسكان وقال غيره إنما اتفقوا على الفتح في الثانية مراعاة لو فاق الفواصل
مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ


الصفحة التالية
Icon