حكيم لا يهمل الم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فلا بد وأن يوصل جزاء كل أحد إليه بتمامه فيكون هذا تخويفاً شديداً للعصاة وترغيباً عظيماً لأهل الطاعة
المسألة الثانية هذه الآية وإن نزلت في حق أبي جهل فكل من نهى من طاعة الله فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد ولا يرد عليه المنع من الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهى عنه غير الصلاة وهو المعصية ولا يرد المولى بمنع عبده عن قيام الليل وصوم التطوع وزوجته عن الاعتكاف لأن ذلك لاستيفاء مصلحته بإذن ربه لا بغضاً لعبادة ربه
كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَة ِ نَاصِيَة ٍ كَاذِبَة ٍ خَاطِئَة ٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة َ
ثم قال تعالى كَلاَّ وفيه وجوه أحدها أنه ردع لأبي جهل ومنه له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات وثانيها كلا لن يصل أبو جهل إلى ما يقول إنه يقتل محمداً أو يطأ عنقه بل تلميذ محمد هو الذي يقتله ويطأ صدره وثالثها قال مقاتل كلا لا يعلم أن الله يرى وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بما يعلم فكأنه لا يعلم
ثم قال تعالى لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ أو عما هو فيه لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَة ِ نَاصِيَة ٍ كَاذِبَة ٍ خَاطِئَة ٍ وفيه مسائل
المسألة الأولى في قوله لَنَسْفَعاً وجوه أحدها لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة وهو كقوله فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاْقْدَامِ وثانيها السفع الضرب أي لنلطمن وجهه وثالثها لنسودن وجهه قال الخليل تقول للشيء إذا لفحته النار لفحاً يسيراً يغير لون البشرة قد سفعته النار قال والسفع ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر سميت بذلك لسوادها قال والسفعة سواد في الخدين وبالجملة فتسويد الوجهعلامة الإذلال والإهانة ورابعها لنسمنه قال ابن عباس في قوله سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ إنه أبو جهل خامسها لنذلنه
المسألة الثانية قرىء لنسفعن بالنون المشددة أي الفاعل لهذا الفعل هو الله والملائكة كما قال فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وقرأ ابن مسعود لأسعفن أي يقول الله تعالى يا محمد أنا الذي أتولى إهانته نظيره هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَة َ
المسألة الثالثة هذا السفع يحتمل أن يكون المراد منه إلى النار في الآخرة وأن يكون المراد منه في الدنيا وهذا أيضاً على وجوه أحدها ما روى أن أبا جهل لما قال إن رأيته يصلي لأطأن عنقه فأنزل الله هذه السورة وأمره جبريل عليه السلام بأن يقرأ على أبي جهل ويخر لله ساجداً في آخرها ففعل فعدا إليه أبو جهل ليطأ عنقه فلما دنا منه نكص على عقبيه راجعاً فقيل له مالك قال إن بيني وبينه فخلاً فاغراً فاه لو مشيت إليه لالتقمني وقيل كان جبريل وميكائيل عليهما السلام على كتفيه في صورة الأسد والثاني أن يكون المراد يوم بدر فيكون ذلك بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجرونه إلى القتل إذا عاد إلى النهي فلما عاد لا جرم مكنهم الله تعالى من ناصيته يوم بدر روى أنه لما نزلت سورة الرحمن


الصفحة التالية
Icon