الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان وثانيها كأنه تعالى يثول لو عينت ليلة القدر وأنا عالم بتجاسركم على المعصية فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية فوقعت في الذنب فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك فلهذا السبب أخفيتها عليك روى أنه عليه السلام دخل المسجد فرأى نائماً فقال يا علي نبهه ليتوضأ فأيثظه علي ثم قال علي يا رسول الله إنك سباق إلى الخيرات فلم لم تنبهه قال لأن رده عليك ليس بكفر ففعلت ذلك لتخف جنايته لو أبى فإذا كان هذا رحمة الرسول فقس عليه رحمة الرب تعالى فكأنه تعالى يقول إذا علمت ليلة القدر فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر وإن غصيت فيها اكتسب عقاب ألف شهر ودفع العقاب أولى من جلب الثواب وثالثها أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها فيكتسب ثواب الاجتهاد ورابعها أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر فيباهي الله تعالى بهم ملائكته يقول كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة فكيف لو جعلتها معلومة لها فحينئذ يظهر سر قوله إِنِي أَعْلَمُ مَالاً تَعْلَمُونَ
المسألة السادسة اختلفوا في أن هذه الليلة هل تستتبع اليوم قال الشعبي نعم يومها كليلتها ولعل الوجه فيه أن ذكر الليالي يستبع الأيام ومنه إذا نذر اعتكاف ليلتين الزمناه بيوميهما قال تعالى وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَة ً أي اليوم يخلف ليلته وبالضد
المسألة السابعة هذه الليلة هل هي باقية قال الخليل من قال إن فضلها لنزول القرآن فيها يقول انقطعت وكانت مرة والجمهور على أنها باقية وعلى هذا هل هي مختصة برمضان أم لا روى عن ابن مسعود أنه قال من يقم الحول يصبها وفسرها عكرمة بليلة البراءة في قوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَة ٍ مُّبَارَكَة ٍ والجمهور على أنها مختصة برمضان واحتجوا عليه بقوله تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَة ِ الْقَدْرِ فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان لئلا يلزم التناقص وعلى هذا القول اختلفوا في تعيينها على ثمانية أقوال فقال ابن رزين ليلة القدر هي الليلة الأولى من رمضان وقال الحسن البصري السابعة عشرة وعن أنس مرفوعاً التاسعة عشرة وقال محمد بن إسحق الحادية والعشرون وعن ابن عباس الثالثة والعشرون وقال ابن مسعود الرابعة والعشرون وقال أبو ذر الغفاري الخامسة والعشرون وقال أبي بن كعب وجماعة من الصحابة السابعة والعشرون وقال بعضهم التاسعة والعشرون أما الذين قالوا إنها الليلة الأولى ( فقد ) قالوا روى وهب أن صحف إبراهيم أنزلت في الليلة الأولى من رمضان والتوراة ليست ليال مضين من رمضان بعد صحف إبراهيم بسبعمائة سنة وأنزل الزبور على داود لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الإنجيل على عيسى لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان بعد الزبور بستمائة عام وعشرين عاماً وكان القرآن ينزل على النبي ( ﷺ ) في كل ليلة قدر من السنة إلى السنة كان جبريل عليه السلام ينزل به من بيت العزة من السماء السابعة إلى سماء الدنيا فأنزل الله تعالى القرآن في عشرين شهراً في عشرين سنة فلما كان هذا الشهر هو الشهر الذي حصلت فيه هذه الخيرات العظيمة لا جرم كان في غاية الشرف والقدر والرتبة فكانت الليلة الأولى منه ليلة القدر وأما الحسن البصري فإنه قال هي ليلة سبعة عشر لأنها ليلة كانت صبيحتها وقعة بدر وأما التاسعة


الصفحة التالية
Icon