والقول الثالث قال ابن عباس رضي الله عنهما حجاجاً وذلك لأنه ذكر العباد أولاً ثم قال حُنَفَاء وإنما قدم الحج على الصلاة لأن في الحج صلاة وإنفاق مال الرابع قال أبو قلابة الحنيف الذي آمن بجميع الرسل ولم يستثن أحداً منهم فمن لم يؤمن بأفضل الأنبياء كيف يكون حنيفاً الخامس حنفاء أي جامعين لكل الدين إذ الحنيفية كل الدين قال عليه السلام ( بعثن بالحنيفية السهلة السمحة ) السادس قال قتادة هي الختان وتحريم نكاح المحارم أي مختونين محرمين لنكاح الأم والمحارم فقوله حُنَفَاء إشارة إلى النفي ثم أردفه بالإثبات وهو قوله وَيُقِيمُواْ الصَّلَواة َ السابع قال أبو مسلم أصله من الحنف في الرجل وهو إدبار إبهامها عن أخوانها حتى يقبل على إبهام الأخرى فيكون الحنيف هو الذي يعدل عن الأديان كلها إلى الإسلام الثامن قال الربيع بن أنيس الحنيف الذي يستقبل القبلة بصلاته وإنما قال ذلك لأنه عند التكبير يقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وأما الكلام في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقد مر مراراً كثيرة ثم قال وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَة ِ وفيه مسائل
المسألة الأولى قال المبرد والزجاج ذلك دين الملة القيمة فالقيمة نعت لموصوف محذوف والمراد من القيمة إما المستقيمة أو القائمة وقد ذكرنا هذين القولين في قوله كُتُبٌ قَيّمَة ٌ وقال الفراء هذا من إضافة النعت إلى المنعوت كقوله إِنَّ هَاذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ والهاء للمبالغة كما في قوله كُتُبٌ قَيّمَة ٌ
المسألة الثانية في هذه الآية لطائف إحداها أن الكمال في كل شيء إنما يحصل إذا حصل الأصل والفرع معاً فقوم أطنبوا في الأعمال من غير إحكام الأصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فإنهم ربما اتعبوا أنفسهم في الطاعات ولكنهم ما حصلوا الدين الحق وقوم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع وهم المرجثة الذين قالوا لا يضر الذنب مع الإيمان والله تعالى خطأ الفريقين في هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص في قوله مُخْلِصِينَ ومن العمل في قوله وَيُقِيمُواْ الصَّلَواة َ وَيُؤْتُواْ الزَّكَواة َ ثم قال وذلك المجموع كله هو دِينُ القَيّمَة ِ أي البينة المستقيمة المعتدلة فكمال أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذا هو المجموع دين واحد فقلب دينك الاعتقاد ووجهه الصلاة ولسانه الواصف لحقيقته الزكاة لأن باللسان يظهر قدر فضلك وبالصدقة يظهر قدر دينك ثم إن القيم من يقوم بمصالح من يعجز عن إقامة مصالح نفسه فكأنه سبحانه يقول القائم بتحصيل مصالحك عاجلاً وآجلاً هو هذا المجموع ونظيره قوله تعالى دِينًا قِيَمًا وقوله في القرآن قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا لأن القرآن هو القيم بالإرشاد إلى الحق ويؤيده قوله عليه السلام ( من كان في عمل الله كان الله في عمله ) وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام ( يا دنيا من خدمك فاستخدميه ومن خدمني فاخدميه ) وثانيها أن المحسنين في أفعالهم هم مثل الحق سبحانه وذلك بالإحسان إلى عبيده والملائكة وذلك بأنهم اشتغلوا بالتسبيح لخالقهم فالإحسان من الله لا من الملائكة والتعظيم والعبودية من الملائكة لا من الله ثم إن الإنسان إذا حضر عرصة القيامة فيقول الله مباهياً بهم ملائكتي هؤلاء أمثالكم سبحوا وهللوا بل في بعض الأفعال أمثالي أحسنوا وتصدقوا ثم إني أكرمكم يا ملائكتي بمجرد ما أتيتم به من العبودية وأنتم تعظموني بمجرد ما فعلت من الإحسان فأنتم صبرتم على أحد الأمرين أقاموا الصلاة أتوا بالعبودية وآتوا الزكاة أتوا بالإحسان فأنتم صبرتم على أحد الأمرين وهم صبروا على الأمرين فتتعجب الملائكة منهم وينصبون إليهم النظارة


الصفحة التالية
Icon