لأحد عليه في مذهبكم فما السبب في التزام مثل هذا الأنعام قلنا أتسأل عن إنعامه الأمسى حال عدمنا أو عن إنعامه اليومي حال التكليف أو عن إنعامه في غد القيامة فإن سألت عن الأمسى فكأنه يقول أنا منزه عن الإنتفاع والمائدة مملوءة من المنافع فلو لم أخلق الخلق لضاعت هذه المنافع فكما أن من له مال ولا عيال له فإنه يشتري العبيد والجواري لينتفعوا بماله فهو سبحانه اشترى من دار العدم هذا الخلق لينتفعوا بملكه كما روى ( الخلق عيال الله ) وأما اليومي فالنعمان يوجب الإتمام بعد الشروع فالرحمن أولى وأما الغد فأنا مديونهم بحكم الوعد والإخبار فكيف لا أفي بذلك
المسألة الرابعة في قوله عِندَ رَبّهِمْ لطائف
أحدها قال بعض الفقهاء لو قال لا شيء لي على فلان فهذا يختص بالديون وله أن يدعي الوديعة ولو قال لا شيء لي عند فلان انصرف إلى الوديعة دون الدين ولو قال لا شيء لي قبل فلان انصرف إلى الدين والوديعة معاً إذا عرفت هذا فقوله عِندَ رَبّهِمْ يفيد أنه وديعة والوديعة عين ولو قال لفلان على فهو إقرار بالدين والعين أشرف من الدين فقوله عِندَ رَبّهِمْ يفيد أنه كالمال المعين الحاضر العتيد فإن قيل الوديعة أمانة وغير مضمونة والدين مضمون والمضمون خير مما كان غير مضمون قلنا المضمون خير إذا تصور الهلاك فيه وهذا في حق الله تعالى محال فلا جرم قلنا الوديعة هناك خير من المضمون
وثانيها إذا وقعت الفتنة في البلدة فوضعت مالك عند إمام المحلة على سبيل الوديعة صرت فارغ القلب فههنا ستقع الفتنة في بلدة بدنك وحينئذ تخاف الشيطان من أن يغيروا عليها فضع وديعة أمانتك عندي فإني أكتب لك به كتاباً يتلى في المحاريب إلى يوم القيامة وهو قوله جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ حتى أسلمه إليك أحوج ما تكون إليه وهو في عرصة القيامة
وثالثها أنه قال عِندَ رَبّهِمْ وفيه بشارة عظيمة كأنه تعالى يقول أنا الذي ربيتك أولاً حين كنت معدوماً صفر اليد من الوجود والحياة والعقل والقدرة فخلقتك وأعطيتك كل هذه الأشياء فحين كنت مطلقاً أعطيتك هذه الأشياء وما ضيعتك أترى أنك إذا اكتسبت شيئاً وجعلته وديعة عندي فأنا أضيعها كلا إن هذا مما لا يكون
المسألة الخامسة قوله جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّاتُ فيه قولان
أحدهما أنه قابل الجمع بالجمع وهو يقتضي مقابلة الفرد بالفرد كما لو قال لأمر أتيه أو عبديه إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما كذا فيحمل هذا على أن يدخل كل واحد منهما داراً على حدة وعن أبي يوسف لم يحنث حتى يدخلا الدارين وعلى هذا إن ملكتما هذين العبدين ودليل القول الأول جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِى ءاذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ فعلى القول الأول بين أن الجزاء لكل مكلف جنة واحدة لكن أدنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روى مرفوعاً ويدل عليه قوله تعالى وَمُلْكاً كَبِيراً


الصفحة التالية
Icon