وثانيها كأنه تعريض بالآدمي الكنود فكأنه تعالى يقول إني سخرت مثل هذا لك وأنت متمرد عن طاعتي وثالثها الغرض بذكر إبل الحج الترغيب في الحج كأنه تعالى يقول جعلت ذلك الإبل مقسماً به فكيف أضيع عملكا وفيه تعريض لمن يرغب الحج فإن الكنود هو الكفور والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك كما في قوله تعالى وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله وَمَن كَفَرَ
القول الثاني قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعطاء وأكثر المحققين أنه الخيل وروى ذلك مرفوعاً قال الكلبي بعث رسول الله ( ﷺ ) سرية إلى أناس من كنانة فمكث ما شاء الله أن يمكث لا يأتيه منهم خبر فتخوف عليها فنزل جبريل عليه السلام بخبر مسيرها فإن جعلنا الألف واللام في وَالْعَادِيَاتِ للمعهود السابق كان محل القسم خيل تلك السرية وإن جعلناهما للجنس كان ذلك قسماً بكل خيل عدت في سبيل الله
واعلم أن ألفاظ هذه الآيات تنادي أن المراد هو الخيل وذلك لأن الضبح لا يكون إلا للفرس واستعمال هذا اللفظ في الإبل يكون على سبيل الاستعارة كما استعير المشافر والحافر للإنسان والشفتان للمهر والعدول من الحقيقة إلى المجاز بغير ضرورة لا يجوز وأيضاً فالقدح يظهر بالحافر مالا يظهر بخف الإبل وكذا قوله فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً لأنه بالخيل أسهل منه بغيره وقد روينا أنه ورد في بعض السرايا وإذا كان كذلك فالأقرب أن السورة مدنية لأن الإذن بالقتال كان بالمدينة وهو الذي قاله الكلبي إذا عرفت ذلك فههنا مسائل
المسألة الأولى أنه تعالى إنما أقسم بالخيل لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر بل لهذه المنفعة وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة ً فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة وإنما قال صُبْحاً لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب فكأنه تعالى يقول إنه مع ضعفه لا يترك طاعتك فليكن العبد في طاعة مولاه أيضاً كذلك
المسألة الثانية ذكروا في انتصاب ضَبْحاً وجوهاً أحدها قال الزجاج والعاديات تضبح ضبحاً وثانيها أن يكون وَالْعَادِيَاتِ في معنى والضابحات لأن الضبح يكون مع العدو وهو قول الفراء وثالثها قال البصريون التقدير والعاديات ضابحة فقوله ضَبْحاً نصب على الحال
فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً
أما قوله تعالى فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً
فاعلم أن الإيراء إخراج النار والقدح الصك تقول قدح فأورى وقد فأصلد ثم في تفسير الآية وجوه


الصفحة التالية
Icon