فالغبار يسمى نقعاً لارتفاعه وقيل هو من النقع في الماء فكأن صاحب الغبار غاص فيه كما يغوص الرجل في الماء والثاني النقع الصباح من قوله عليه الصلاة والسلام ( مالم يكن نقع ولا لقلقة ) أي فهيجن في المغار عليهم صياح النوائح وارتفعت أصواتهن ويقال ثار الغبار والدخان أي ارتفع وثار القطا عن مفحصه وأثرن الغبار أي هيجنه والمعنى أن الخيل أثرن الغبار لشدة العدو في الموضع الذي أغرن فيه
المسألة الثانية الضمير في قوله به إلى ماذا يعود فيه وجوه أحدها وهو قول الفراء أنه عائد إلى المكان الذي انتهى إليه والموضع الذي تقع فيه الإغارة لأن في قوله فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً دليلاً على أن الإغارة لا بد لها من وضع وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجز ذكره بالتصريح كقوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَة ِ الْقَدْرِ وثانيها إنه عائد إلى ذلك الزمان الذي وقعت فيه الإغارة أي فأثرن في ذلك الوقت نقعاً وثالثها وهو قول الكسائي أنه عائد إلى العدو أي فأثرن بالعدو نقعاً وقد تقدم ذكر العدو في قوله وَالْعَادِيَاتِ
المسألة الثالثة فإن قيل على أي شيء عطف قوله فَأَثَرْنَ قلنا على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه والتقدير واللائي عدون فأورين وأغرن فأثرن
المسألة الرابعة قرأ أبو حيوة فَأَثَرْنَ بالتشديد بمعنى فأظهرن به غباراً لأن التأثير فيه معنى الإظهار أو قلب ثورن إلى وثرن وقلب الواو همزة
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
أما قوله تعالى فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ففيه مسألتان
المسألة الأولى قال الليث وسطت النهر والمفازة أسطها وسطاً وسطة أي صرت في وسطها وكذلك وسطتها وتوسطتها ونحو هذا قال الفراء والضمير في قوله بِهِ إلى ماذا يرجع فيه وجوه أحدها قال مقاتل أي بالعدو وذلك أن العاديات تدل على العدو فجازت الكناية عنه وقوله جَمْعاً يعني جمع العدو والمعنى صرن بعدوهن وسط جمع العدو ومن حمل الآيات على الإبل قال يعني جمع مني وثانيها أن الضمير عائد إلى النقع أي وسطن بالنقع الجمع وثالثها المراد أن العاديات وسطن ملبساً بالنقع جمعاً من جموع الأعداء
المسألة الثانية قرىء نَقْعاً فَوَسَطْنَ بالتشديد للتعدية والباء مزيدة للتوكيد كقوله وَأُتُواْ بِهِ وهي مبالغة في وسطن واعلم أن الناس أكثروا في صفة الفرس وهذا القدر الذي ذكره الله أحسن وقال عليه الصلاة والسلام ( الخيل معقود بنواصيها الخير ) وقال أيضاً ( ظهرها حرز وبطنها كنز ) واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به ذكر المقسم عليه وهو أمور ثلاثة
إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
أحدها قوله إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال الواحدي أصل الكنود منع الحق والخير والكنود الذي


الصفحة التالية
Icon