أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ
واعلم أنه تعالى لما عد عليه قبائح أفعاله خوفه فقال أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ وفيه مسألتان
المسألة الأولى القول في بُعْثِرَ مضى في قوله تعالى وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ وذكرنا أن معنى بُعْثِرَتْ بعث وأثير وأخرج وقرىء بحثر
المسألة الثانية لقائل أن يسأل لم قال بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ ولم يقل بعثر من في القبور ثم إنه لما قال ما في القبور فلم قال إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ ولم يقل إن ربها بها يومئذ لخبيير الجواب عن السؤال الأول هو أن ما في الأرض من غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب أو يقال إنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل بعد البعث يصيرون كذلك فلا جرم كان الضمير الأول ضمير غير العقلاء والضمير الثاني ضمير العقلاء
وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ
ثم قال تعالى وَحُصّلَ مَا فِى الصُّدُورِ قال أبو عبيدة أي ميز ما في الصدور وقال الليث الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب سواه والتحصيل تمييز ما يحصل والاسم الحصيلة قال لبيد وكل امرىء يوماً سيعلم سعيه
إذا حصلت عند الإله الحصائل
وفي التفسير وجوه أحدها معنى حصل جمع في الصحف أي أظهرت محصلاً مجموعاً وثانيها أنه لا بد من التمييز بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور فإن لكل واحد ومنه قيل للمنخل المحصل وثالثها أن كثيراً ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره أما في يوم القيامة فإنه تتكشف الأسرار وتبتهك الأستار ويظهر ما في البواطن كما قال يَوْمٍ تُبْلَى السَّرَائِرُ
واعلم أن حظ الوعظ منه أن يقال إنك تستعد فيما لا فائدة لك فيه فتبني المقابرة وتشتري التابوت وتفصل الكفن وتغزل العجوز الكفن فيقال هذا كله للديدان فأين حظ الرحمنا بل المرأة إذا كانت حاملاً فإنها تعد للطفل ثياباً فإذا قلت لها لا طفل لك فما هذا الاستعداد فتقول أليس يبعثر ما في بطني فيقول الرب لك ألا يبعثر ما في بطن الأرض فأين الاستعداد وقرىء وحصل بالفتح والتخفيف بمعنى ظهر
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
ثم قال إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ اعلم أن فيه سؤالات
الأول أنه يوهم أن علمه بهم في ذلك اليوم إنما حصل بسبب الخبرة وذلك يقتضي سبق الجهل وهو على الله تعالى محال الجواب من وجهين أحدهما كأنه تعالى يقول إن من لم يكن عالماً فإنه يصير بسبب الاختبار عالماً فمن كان لم يزل عالماً أن يكون خبيراً بأحوالكا وثانيهما أن فائدة تخصيص ذلك الوقت في قوله فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ مع كونه عالماً لم يزل أنه وقت الجزاء وتقريره لمن الملك كأنه يقول لا حاكم


الصفحة التالية
Icon