حب الدنيا فلما انعكست هذه القضية لا جرم ذكر الله تعالى ذلك في معرض التعجيب
والقول الثاني أن المراد هو التكاثر بالمال واستدلوا عليه بما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه عليه السلام كان يقرأ أَلْهَاكُمُ وقال ابن آدم يقول مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنبت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت والمراد من قوله حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ أي حتى متم وزيارة القبر عبارة عن الموت يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه قال جرير للأخطل
زار القبور أبو مالك
فأصبح ألأم زوارها أي مات فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك يقال حمله على هذا الوجه مشكل من وجهين الأول أن الزائر هو الذي يزور ساعة ثم ينصرف والميت يبقى في قبره فكيف يقال إنه زار القبر والثاني أن قوله حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ إخبار عن الماضي فكيف يحمل على المستقبل والجواب عن السؤال الأول أنه قد يمكث الزائر لكن لا بد له من الرحيل وكذا أهل القبور يرحلون عنها إلى مكان الحساب والجواب عن السؤال الثاني من وجوه أحدها يحتمل أن يكون المراد من كان مشرفاً على الموت بسبب الكبر ولذلك يقال فيه إنه على شفير القبر وثانيها أن الخبر عمن تقدمهم وعظاً لهم فهو كالخبر عنهم لأنهم كانوا على طريقتهم ومنه قوله تعالى وَيَقْتُلُونَ وثالثها قال أبو مسلم إن الله تعالى يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييراً للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور
القول الثالث حَامِيَة ٌ أَلْهَاكُمُ الحرص على المال وطلب تكثيره حتى منعتم الحقوق المالية إلى حين الموت ثم تقول في تلك الحالة أوصيت لأجل الزكاة بكذا ولأجل الحج بكذا
القول الرابع أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ فلا تلتفتون إلى الدين بل قلوبكم كأنها أحجار لا تنكسر البتة إلا إذا زرتم المقابر هكذا ينبغي أن تكون حالكم وهو أن يكون حظكم من دينكم ذلك القدر القليل من الانكسار ونظيره قوله تعالى قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ أي لا أقنع منكم بهذا القدر القليل من الشكر
المسألة السادسة أنه تعالى لم يقل أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ عن كذا وإنما لم يذكره لأن المطلق أبلغ في الذم لأنه يذهب الوهم فيه كل مذهب فيدخل فيه جميع ما يحتمله الموضع أي ألهاكم التكاثر عن ذكر الله وعن الواجبات والمندوبات في المعرفة والطاعة والتفكر والتدبر أو نقول إن نظرنا إلى ما قبل هذه الآية فالمعنى ألهاكم التكاثر عن التدبر في أمر القارعة والاستعداد لها قبل الموت وإن نظرنا إلى الأسفل فالمعنى ألهاكم التكاثر فنسيتم القبر حتى زرتموه
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
أما قوله تعالى كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ فهو يتصل بما قبله وبما بعده أما الأول


الصفحة التالية
Icon