وأنا لا أطيق الجواب عن ذلك وعن أنس لما نزلت الآية قام محتاج فقال هل علي من النعمة شيء قال الظل والنعلان والماء البارد وأشهر الأخبار في هذا ما روى أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات ليلة إلى المسجد فلم يلبث أن جاء أبو بكر فقال ما أخرجك يا أبا بكر قال الجوع قال والله ما أخرجني إلا الذي أخرجك ثم دخل عمر فقال مثل ذلك فقال قوموا بنا إلى منزل أبي الهيثم فدق رسول الله ( ﷺ ) الباب وسلم ثلاث مرات فلم يجب أحد فانصرف رسول الله ( ﷺ ) فخرجت امرأته تصيح كنا نسمع صوتك لكن أردنا أن تزيد من سلامك فقال لها خيراً ثم قالت بأبي أنت وأمي إن أبا الهيثم خرج يستعذب لنا الماء ثم عمدت إلى صاع من شعير فطحنته وخبزته ورجع أبو الهيثم فذبح عناقاً وأتاهم بالرطب فأكلوا وشربوا فقال عليه الصلاة والسلام ( هذا من النعيم الذي تسألون عنه ) وروى أيضاً ( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره وماله وشبابه وعمله ) وعن معاذ عن النبي ( ﷺ ) ( أن العبد ليسأل يوم القيامة حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بأصبعه عن لمس ثوب أخيه ) واعلم أن الأولى أن يقال السؤال يعم المؤمن والكافر لكن سؤال الكافر توبيخ لأنه ترك الشكر وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر وأطاع
المسألة الثانية ذكروا في النعيم المسئول عنه وجوهاً أحدها ما روى أنه خمس شبع البطون وبارد الشراب ولذة النوم وإظلال المساكن واعتدال الخلق وثانيها قال ابن مسعود إنه الأمن والصحة والفراغ وثالثها قال ابن عباس إنه الصحة وسائر ملاذ المأكول والمشروب ورابعها قال بعضهم الانتفاع بإدراك السمع والبصر وخامسها قال الحسن بن الفضل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن وسادسها قال ابن عمر إنه الماء البارد وسابعها قال الباقر إنه العافية ويروى أيضاً عن جابر الجعفي قال دخلت على الباقر فقال ما تقول أرباب التأويل في قوله ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ فقلت يقولون الظل والماء البارد فقال لو أنك أدخلت بيتك أحداً وأقعدته في ظل وأسقيته ماء بارداً أتمن عليه فقلت لا قال فالله أكرم من أن يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه فقلت ما تأويله قال النعيم هو رسول الله ( ﷺ ) أنعم الله به على هذا العالم فاستنقذهم به من الضلالة أما سمعت قوله تعالى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً الآية القول الثامن إنما يسألون عن الزائد مما لا بد منه من مطعم وملبس ومسكن والتاسع وهو الأولى أنه يجب حمله على جميع النعم ويدل عليه وجوه أحدها أن الألف واللام يفيدان الاستغراق وثانيها أنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى الباقي لاسيما وقد دل الدليل على أن المطلوب من منافع هذه الدنيا اشتغال العبد بعبودية الله تعالى وثالثها أنه تعالى قال خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ والمراد منه جميع النعم من فلق البحر والإنجاء من فرعون وإنزال المن والسلوى فكذا ههنا ورابعها أن النعيم التام كالشيء الواحد الذي له أبعاض وأعضاء فإذا أشير إلى النعيم فقد دخل فيه الكل كما أن الترياق اسم للمعجون المركب من الأدوية الكثيرة فإذا ذكر الترياق فقد دخل الكل فيه
واعلم أن النعم أقسام فمنها ظاهرة وباطنة ومنها متصلة ومنفصلة ومنها دينية ودنيوية وقد ذكرنا أقسام السعادات بحسب الجنس في تفسير أول هذه السورة وأما تعديدها بحسب النوع والشخص فغير ممكن على ما قاله تعالى وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَة َ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا واستعن في معرفة نعم الله


الصفحة التالية
Icon