أعلم وأشرف من المكان فلما كان كذلك كان القسم بالعصر قسماً بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته وخامسها أنهم كانوا يضيفون الخسران إلى نوائت الدهر فكأنه تعالى أقسم على أن الدهر والعصر نعمة حاصلة لا عيب فيها إنما الخاسر المعيب هو الإنسان وسادسها أنه تعالى ذكر العصر الذي بمضيه ينتقص عمرك فإذا لم يكن في مقابلته كسب صار ذلك النقصان عن الخسران ولذلك قال لَفِى خُسْرٍ ومنه قول القائل
إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى نقص من الأجل فكأن المعنى والعصر العجيب أمره حيث يفرح الإنسان بمضيه لظنه أنه وجد الربح مع أنه هدم لعمره وإنه لفي خسر والقول الثاني وهو قول أبي مسلم المراد بالعصر أحد طرفي النهار والسبب فيه وجوه أحدها أنه أقسم تعالى بالعصر كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعاً من دلائل القدرة فإن كل بكرة كأنها القيامة يخرجون من القبور وتصير الأموات أحياء ويقام الموازين وكل عشية تشبه تخريب الدنيا بالصعق والموت وكل واحد من هاتين الحالتين شاهد عدل ثم إذا لم يحكم الحاكم عقيب الشاهدين عد خاسراً فكذا الإنسان الغافل عنهما في خسر وثانيها قال الحسن رحمه الله إنما أقسم بهذا الوقت تنبيهاً على أن الأسواق قد دنا وقت انقطاعها وانتهاء التجارة والكسب فيها فإذا لم تكتسب ودخلت الدار وطاف العيال عليك يسألك كل أحد ما هو حقه فحينئذ تخجل فتكون من الخاسرين فكذا نقول والعصر أي عصر الدنيا قد دنت القيامة و ( أنت ) بعد لم تستعد وتعلم أنك تسأل غداً عن النعيم الذي كنت فيه في دنياك وتسأل في معاملتك مع الخلق وكل أحد من المظلومين يدعي ما عليك فءذا أنت خاسر ونظيره اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة ٍ مُّعْرِضُونَ وثالثها أن هذا الوقت معظم والدليل عليه قوله عليه السلام ( من حلف بعد العصر كاذباً لا يكلمه الله ولا ينظر إليه يوم القيامة ) فكما أقسم في حق الرابح بالضحى فكذا أقسم في حق الخاسر بالعصر وذلك لأنه أقسم بالضحى في حق الرابح وبشر الرسول أن أمره إلى الإقبال وههنا في حق الخاسر توعده أن أمره إلى الإدبار ثم كأنه يقول بعض النهار باق فيحثه على التدارك في البقية بالتوبة وعن بعض السلف تعلمت معنى السورة من بائع الثلج كان يصيح ويقول ارحموا من يذوب رأسه ماله ارحموا من يذوب رأس ماله فقلت هذا معنى إِنَّ الإنسَانَ لَفِى خُسْرٍ يمر به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب فإذا هو خاسر
القول الثالث وهو قول مقاتل أراد صلاة العصر وذكروا فيه وجوهاً أحدها أنه تعالى أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله حَافِظُواْ عَلَى صلاة العصر في مصحف حفصة وقيل في قوله تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلواة ِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إنها صلاة العصر وثانيها قوله عليه السلام ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) وثالثها أن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم ورابعها روى أن امرأة كانت تصيح في سكك المدينة وتقول دلوني على النبي ( ﷺ ) فرآها رسول الله ( ﷺ ) فسألها ماذا حدث قالت يا رسول الله إن زوجي غاب عني فزنيت فجاءني ولد من الزنا فألقيت الولد في دن من الخل حتى مات ثم بعنا ذلك الخل فهل لي من توبة فقال عليه السلام أما الزنا فعليك الرجم أما قتل الولد فجزاؤه جهنم وأما بيع الخل فقد ارتكبت