التين لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ فهناك يدل على أن الابتداء من الكمال والانتهاء إلى النقصان وههنا يدل على أن الابتداء من النقصان والانتهاء إلى الكمال فكيف وجه الجمع قلنا المذكور في سورة التين أحوال البدن وههنا أحوال النفس فلا تناقض بين القولين
إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ
قوله تعالى إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
اعلم أن الإيمان والأعمال الصالحة قد تقدم تفسيرهما مراراً ثم ههنا مسائل
المسألة الأولى احتج من قال العمل غير داخل في مسمى الإيمان بأن الله تعالى عطف عمل الصالحات على الإيمان ولو كان عمل الصالحات داخلاً في مسمى الإيمان لكان ذلك تكريراً ولا يمكن أن يقال هذا التكرير واقع في القرآن كقوله تعالى وَإِذَا أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وقوله وَمَلَئِكَتُهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ لأنا نقول هناك إنما حسن لأن إعادته تدل على كونه أشرف أنواع ذلك الكلي وعمل الصالحات ليس أشرف أنواع الأمور المسماة بالإيمان فبطل هذا التأويل قال الحليمي هذا التكرير واقع لا محالة لأن الإيمان وإن لم يشتمل على عمل الصالحات لكن قوله وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يشتمل على الإيمان فيكون قوله وعملواا لصالحات مغنياً عن ذكر قوله ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وأيضاً فقوله وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يشتمل على قوله وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ فوجب أن يكون ذلك تكراراً أجاب الأولون وقالوا إنا لا نمنع ورود التكرير لأجل التأكيد لكن الأصل عدمه وهذا القدر يكفي في الاستدلال
المسألة الثانية احتج القاطعون بوعيد الفساق بهذه الآية قالوا الآية دلت على أن الإنسان في الخسارة مطلقاً ثم استثنى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ والمعلق على الشرطين مفقود عند فقد أحدهما فعلمنا أن من لم يحصل له الإيمان والأعمال الصالحة لا بد وأن يكون في الخسار في الدنيا وفي الآخرة ولما كان المستجمع لهاتين الخصلتين في غاية القلة وكان الخسار لازماً لمن لم يكن مستجمعاً لهما كان الناجي أقل من الهالك ثم لو كان الناجي أكثر كان الخوف عظيماً حتى لا تكون أنت من القليل كيف والناجي أقل أفلا ينبغي أن يكون الخوف أشدا
المسألة الثالثة أن هذا الاستثناء فيه أمور ثلاثة أحدها أنه تسلية للمؤمن من فوت عمره وشبابه لأن العمل قد أوصله إلى خير من عمره وشبابه وثانيها أنه تنبيه على أن كل ما دعاك إلى طاعة الله فهو الصلاح وكل ما شغلك عن الله بغيره فهو الفساد وثالثها قالت المعتزلة تسمية الأعمال بالصالحات تنبيه على أن وجه حسنها ليس هو الأمر على ما يقوله الأشعرية لكن الأمر إنما ورد لكونها في أنفسها مشتملة على وجوه الصلاح وأجابت الأشعرية بأن الله تعالى وصفها بكونها صالحة ولم يبين أنها صالحة بسبب وجوه عائدة إليها أو بسبب الأمر
المسألة الرابعة لسائل أن يسأل فيقول إنه في جانب الخسر ذكر الحكم ولم يذكر السبب وفي جانب


الصفحة التالية
Icon