وروى عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر ثم يرمى به في النار )
واعلم أن الفائدة في ذكر جهنم بهذا الاسم ههنا وجوه أحدها الاتحاد في الصورة كأنه تعالى يقول إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة والثاني أن الهامز بكسر عين ليضع قدره فيلقيه في الحضيض فيقول تعالى وراءك الحطمة وفي الحطم كسر فالحطمة تكسرك وتلقيك في حضيض جهنم لكن الهمزة ليس إلا الكسر بالحاجب أما الحطمة فإنها تكسر كسراً لا تبقي ولا تذر الثالث أن الهماز اللماز يأكل لحم الناس والحطمة أيضاً اسم للنار من حيث إنها تأكل الجلد واللحم ويمكن أن يقال ذكر وصفين الهمز واللمز ثم قابلهما باسم واحد وقال خذ واحداً مني بالإثنين منك فإنه يفي ويكفي فكأن السائل يقول كيف يفي الواحد بالإثنين فقال إنما تقول هذا لأنك لا تعرف هذا الواحد فلذلك قال وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَة ُ
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَة ُ
أما قوله تعالى نَارُ اللَّهِ فالإضافة للتفخيم أي هي نار لا كسائر النيران الْمُوقَدَة ُ التي لا تخمد أبداً أو الْمُوقَدَة ُ بأمره أو بقدرته ومنه قول علي عليه السلام عجباً ممن يعصى الله على وجه الأرض والنار تسعر من تحته وفي الحديث ( أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت ثم ألف سنة حتى ابيضت ثم ألف سنة حتى اسودت فهي الآن سوداء مظلمة )
الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاٌّ فْئِدَة ِ
أما قوله تعالى الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاْفْئِدَة ِ فاعلم أنه يقال طلع الجبل واطلع عليه إذا علاه ثم في تفسير الآية وجهان الأول أن النار تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألماً منه بأدنى أذى مماسه فكيف إذا اطلعت نار جهنم واستولت عليه ثم إن الفؤاد مع استيلاء النار عليه لا يحترق إذ لو احترق لمات وهذا هو المراد من قوله لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ومعنى الاطلاع هو أن النار تنزل من اللحم إلى الفؤاد والثاني أن سبب تخصيص الأفئدة بذلك هو أنها مواطن الكفر والعقائد الخبيثة والنيات الفاسدة واعلم أنه روى عن النبي ( ﷺ ) أن النار تأكل أهلها حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت ثم إن الله تعالى يعيد لحمهم وعظمهم مرة أخرى
إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة ٌ
أما قوله تعالى إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة ٌ فقال الحسن مُّؤْصَدَة ُ أي مطبقة من أصدت الباب وأوصدته لغتان ولم يقل مطبقة لأن المؤصدة هي الأبواب المغلقة والإطباق لا يفيد معنى الباب
واعلم أن الآية تفيد المبالغة في العذاب من وجوه أحدها أن قوله لَيُنبَذَنَّ يقتضي أنه موضع له قعر عميق جداً كالبئر وثانيها أنه لو شاء يجعل ذلك الموضع بحيث لا يكون له باب لكنه بالباب يذكرهم الخروج فيزيد في حسرتهم وثالثها أنه قال عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة ٌ ولم يقل مؤصدة عليهم لأن قوله عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة ٌ يفيد أن المقصود أولاً كونهم بهذه الحالة وقوله مؤصدة عليهم لا يفيد هذا المعنى بالقصد الأول


الصفحة التالية
Icon