من قبل هدى ً للناس فإنما عرفتم أن التوراة والإنجيل كتابان إلاهيان لأنه تعالى قرن بإنزالهما المعجزة الدالة على الفرق بين قول المحق وقول المبطل والمعجز لما حصل به الفرق بين الدعوى الصادقة والدعوى الكاذبة كان فرقاً لا محالة ثم أن الفرقان الذي هو المعجز كما حصل في كون التوراة والإنجيل نازلين من عند الله فكذلك حصل في كون القرآن نازلاً من عند الله وإذا كان الطريق مشتركاً فإما أن يكون الواجب تكذيب الكل على ما هو قول البراهمة أو تصديق الكل على ما هو قول المسلمين وأما قبول البعض ورد البعض فذلك جهل وتقليد ثم إنه تعالى لما ذكر ما هو العمدة في معرفة الإله على ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام وما هو العمدة في إثبات نبوّة محمد ( ﷺ ) لم يبق بعد ذلك عذر لمن ينازعه في دينه فلا جرم أردفه بالتهديد والوعيد فقال إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ( آل عمران ٤ ) فقد ظهر أنه لا يمكن أن يكون كلام أقرب إلى الضبط وإلى حسن الترتيب وجودة التأليف من هذا الكلام والحمد لله على ما هدى هذا المسكين إليه وله الشكر على نعمه التي لا حد لها ولا حصر
ولما لخصنا ما هو المقصود الكلي من الكلام فلنرجع إلى تفسير كل واحد من الألفاظ
أما قوله اللَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ فهو رد على النصارى لأنهم كانوا يقولون بعبادة عيسى عليه السلام فبيّن الله تعالى أن أحداً لا يستحق العبادة سواه
ثم أتبع ذلك بما يجري مجرى الدلالة عليه فقال الْحَى ُّ الْقَيُّومُ فأما الحي فهو الفعال الدراك وأما القيوم فهو القائم بذاته والقائم بتدبير الخلق والمصالح لما يحتاجون إليه في معاشهم من الليل والنهار والحر والبرد والرياح والأمطار والنعم التي لا يقدر عليها سواه ولا يحصيها غيره كما قال تعالى وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَة َ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( إبراهيم ٣٤ ) وقرأ عمر رضي الله عنه الْحَى ُّ الْقَيُّومُ قال قتادة الحي الذي لا يموت والقيوم القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم وعن سعيد بن جبير الحي قبل كل حي والقيوم الذي لا ند له وقد ذكرنا في سورة البقرة أن قولنا الحي القيوم محيط بجميع الصفات المعتبرة في الإلاهية ولما ثبت أن المعبود يجب أن يكون حياً قيوماً ودلّت البديهة والحسن على أن عيسى عليه السلام ما كان حياً قيوماً وكيف وهم يقولون بأنه قتل وأظهر الجزع من الموت علمنا قطعاً أن عيسى ما كان إلاهاً ولا ولداً للإلاه تعالى وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاة َ وَالإِنجِيلَ
فاعلم أن الكتاب ههنا هو القرآن وقد ذكرنا في أول سورة البقرة اشتقاقه وإنما خص القرآن بالتنزيل والتوراة والإنجيل بالإنزال لأن التنزيل للتكثير والله تعالى نزل القرآن نجما نجما فكان معنى التكثير حاصلاً فيه وأما التوراة والإنجيل فإنه تعالى أنزلهما دفعة واحدة فلهذا خصهما بالإنزال ولقائل أن


الصفحة التالية
Icon