محكم وعلى متشابه والتمسك بالمتشابهات غير جائز فهذا ما يتعلق بكيفية النظم هو في غاية الحسن والاستقامة
المسألة الثانية إعلم أن القرآن دل على أنه بكليته محكم ودل على أنه بكليته متشابه ودل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه
أما ما دل على أنه بكليته محكم فهو قوله الر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ( يونس ١ ) الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ( هود ١ ) فذكر في هاتين الآيتين أن جميعه محكم والمراد من المحكم بهذا المعنى كونه كلاماً حقاً فصيح الألفاظ صحيح المعاني وكل قول وكلام يوجد كان القرآن أفضل منه في فصاحة اللفظ وقوة المعنى ولا يتمكن أحد من إتيان كلام يساوي القرآن في هذين الوصفين والعرب تقول في البناء الوثيق والعقد الوثيق الذي لا يمكن حله محكم فهذا معنى وصف جميعه بأنه محكم
وأما ما دل على أنه بكليته متشابه فهو قوله تعالى كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ( الزمر ٢٣ ) والمعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن ويصدق بعضه بعضاً وإليه الإشارة بقوله تعالى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ( النساء ٨٢ ) أي لكان بعضه وارداً على نقيض الآخر ولتفاوت نسق الكلام في الفصاحة والركاكة
وأما ما دل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه فهو هذه الآية التي نحن في تفسيرها ولا بد لنا من تفسير المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة ثم من تفسيرهما في عرف الشريعة أما المحكم فالعرب تقول حاكمت وحكمت وأحكمت بمعنى رددت ومنعت والحاكم يمنع الظالم عن الظلم وحكمة اللجام التي هي تمنع الفرس عن الاضطراب وفي حديث النخعي احكم اليتيم كما تحكم ولدك أي امنعه عن الفساد وقال جرير أحكموا سفهاءكم أي امنعوهم وبناء محكم أي وثيق يمنع من تعرض له وسميت الحكمة حكمة لأنها تمنع عما لا ينبغي وأما المتشابه فهو أن يكون أحد الشيئين مشابهاً للآخر بحيث يعجز الذهن عن التمييز قال الله تعالى إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ( البقرة ٧٠ ) وقال في وصف ثمار الجنة وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ( البقرة ٢٥ ) أي متفق المنظر مختلف الطعوم وقال الله تعالى تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ( البقرة ١١٨ ) ومنه يقال اشتبه علي الأمران إذا لم يفرق بينهما ويقال لأصحاب المخاريق أصحاب الشبه وقال عليه السلام ( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات ) وفي رواية أخرى مشتبهات
ثم لما كان من شأن المتشابهين عجز الإنسان عن التمييز بينهما سمي كل ما لا يهتدي الإنسان إليه بالمتشابه إطلاقاً لاسم السبب على المسبب ونظيره المشكل سمي بذلك لأنه أشكل أي دخل في شكل غيره فأشبهه وشابهه ثم يقال لكل ما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكل ويحتمل أن يقال إنه الذي لا يعرف أن الحق ثبوته أو عدمه وكان الحكم بثبوته مساوياً للحكم بعدمه في العقل والذهن ومشابهاً له وغير متميز أحدهما عن الآخر بمزيد رجحان فلا جرم سمي غير المعلوم بأنه متشابه فهذا تحقيق القول في المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة فنقول
الناس قد أكثروا من الوجوه في تفسير المحكم والمتشابه ونحن نذكر الوجه الملخص الذي عليه أكثر المحققين ثم نذكر عقيبه أقوال الناس فيه فنقول


الصفحة التالية
Icon