ثم حكي عنهم أيضاً أنهم يقولون كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا والمعنى أن كل واحد من المحكم والمتشابه من عند ربنا وفيه سؤالان
السؤال الأول لو قال كل من ربنا كان صحيحاً فما الفائدة في لفظ عِندَ
الجواب الإيمان بالمتشابه يحتاج فيه إلى مزيد التأكيد فذكر كلمة عِندَ لمزيد التأكيد
السؤال الثاني لم جاز حذف المضاف إليه من كُلٌّ
الجواب لأن دلالة المضاف عليه قوية فبعد الحذف الأمن من اللبس حاصل
ثم قال وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الالْبَابِ وهذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا آمنا به ومعناه ما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول الكاملة فصار هذا اللفظ كالدلالة على أنهم يستعملون عقولهم في فهم القرآن فيعلمون الذي يطابق ظاهره دلائل العقول فيكون محكماً وأما الذي يخالف ظاهره دلائل العقول فيكون متشابهاً ثم يعلمون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض والباطل فيعلمون أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى وهذه الآية دالة على علو شأن المتكلمين الذين يبحثون عن الدلائل العقلية ويتوسلون بها إلى معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله ولا يفسرون القرآن إلا بما يطابق دلائل العقول وتوافق اللغة والإعراب
واعلم أن الشيء كلما كان أشرف كان ضده أخس فكذلك مفسر القرآن متى كان موصوفاً بهذه الصفة كانت درجته هذه الدرجة العظمى التي عظم الله الثناء عليه ومتى تكلم في القرآن من غير أن يكون متبحراً في علم الأصول وفي علم اللغة والنحو كان في غاية البعد عن الله ولهذا قال النبي ( ﷺ ) ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَة ً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
واعلم أنه تعالى كما حكى عن الراسخين أنهم يقولون آمنا به حكي عنهم أنهم يقولون رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا وحذف يَقُولُونَ لدلالة الأول عليه وكما في قوله وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ( آل عمران ١٩١ ) وفي هذه الآية اختلف كلام أهل السنة وكلام المعتزلة
أما كلام أهل السنة فظاهر وذلك لأن القلب صالح لأن يميل إلى الإيمان وصالح لأن يميل إلى الكفر ويمتنع أن يميل إلى أحد الجانبين إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى فإن كانت تلك الداعية داعية الكفر فهي الخذلان والإزاغة والصد والختم والطبع والرين والقسوة والوقر والكنان وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن وإن كانت تلك الداعية داعية الإيمان فهي التوفيق


الصفحة التالية
Icon