أولئك الكفار المتقدمين والمقصود على جميع التقديرات نصر النبي ( ﷺ ) على إيذاء الكفرة وبشارته بأن الله سينتقم منهم
الوجه الثالث في تفسير الدأب والدؤب وهو اللبث والدوام وطول البقاء في الشيء وتقدير الآية وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون أي دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون
والوجه الرابع أن الدأب هو الاجتهاد كما ذكرناه ومن لوازم ذلك التعب والمشقة ليكون المعنى ومشقتهم وتعبهم من العذاب كمشقة آل فرعون بالعذاب وتعبهم به فإنه تعالى بيّن أن عذابهم حصل في غاية القرب وهو قوله تعالى أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً ( نوح ٢٥ ) وفي غاية الشدة أيضاً وهو قوله النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة ُ أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ( غافر ٤٦ )
الوجه الخامس أن المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب فكان التشبيه بآل فرعون حاصلاً في هذين الوجهين والمعنى أنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد بل صاروا مضطرين إلى ما نزل بهم فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد ( ﷺ ) في أنه ينزل بكم مثل ما نزل بالقوم تقدم أو تأخر ولا تغني عنكم الأموال والأولاد
الوجه السادس يحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال فكذلك ينزل بكم أيها الكفار بمحمد ( ﷺ ) وذلك من القتل والسبي وسلب الأموال ويكون قوله تعالى قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ( آل عمران ١٢ ) كالدلالة على ذلك فكأنه تعالى بيّن أنه كما نزل بالقوم العذاب المعجل ثم يصيرون إلى دوام العذاب فسينزل بمن كذب بمحمد ( ﷺ ) أمران أحدهما المحن المعجلة وهي القتل والسبي والإذلال ثم يكون بعده المصير إلى العذاب الأليم الدائم وهذان الوجهان الأخيران ذكرهما القاضي رحمه الله تعالى
أما قوله تعالى وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فالمعنى والذين من قبلهم من مكذبي الرسل وقوله كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا المراد بالآيات المعجزات ومتى كذبوا بها فقد كذبوا لا محالة بالأنبياء
ثم قال فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وإنما استعمل فيه الأخذ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على التخلص
ثم قال وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ وهو ظاهر
قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قرأ حمزة والكسائي سَيَغْلِبُونَ بالياء فيهما والباقون بالتاء المنقطة من


الصفحة التالية
Icon