وأما حديث الجبر فالخوض فيه من ذلك المسكين خوض فيما لا يعنيه لأنه لما اعترف بأن الله تعالى عالم بجميع الجزئيات واعترف بأن العبد لا يمكنه أن يقلب علم الله جهلاً فقد اعترف بهذا الجبر فمن أين هو والخوض في أمثال هذه المباحث
ثم قال الله تعالى لاَ إله إِلاَّ هُوَ والفائدة في إعادته وجوه الأول أن تقدير الآية شهد الله أنه لا إلاه إلا هو وإذا شهد بذلك فقد صح أنه لا إلاه إلا هو ونظيره قول من يقول الدليل دلّ على وحدانية الله تعالى ومتى كان كذلك صح القول بوحدانية الله تعالى الثاني أنه تعالى لما أخبر أن الله شهد أنه لا إلاه إلا هو وشهدت الملائكة وأولوا العلم بذلك صار التقدير كأنه قال يا أمة محمد فقولوا أنتم على وفق شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم لاَ إله إِلاَّ هُوَ فكان الغرض من الإعادة الأمر بذكر هذه الكلمة على وفق تلك الشهادات الثالث فائدة هذا التكرير الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون أبداً في تكرير هذه الكلمة فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة فإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلاً بذكرها وبتكريرها كان مشتغلاً بأعظم أنواع العبادات فكان الغرض من التكرير في هذه الآية حث العباد على تكريرها الرابع ذكر قوله لاَ إله إِلاَّ هُوَ أولاً ليعلم أنه لا تحق العبادة إلا لله تعالى وذكرها ثانيا ليعلم أنه القائم بالقسط لا يجور ولا يظلم
أما قوله العَزِيزُ الحَكِيمُ فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة والحكيم إشارة إلى كمال العلم وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلاهية إلا معهما لأن كونه قائماً بالقسط لا يتم إلا إذا كان عالماً بمقادير الحاجات وكان قادراً على تحصيل المهمات وقدم العزيز على الحكيم في الذكر لأن العلم بكونه تعالى قادراً متقدم على العلم بكونه عالماً في طريق المعرفة الإستدلالية فلما كان مقدماً في المعرفة الإستدلالية وكان هذا الخطاب مع المستدلين لا جرم قدم تعالى ذكر العزيز على الحكيم
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ
وفيه مسائل
المسألة الأولى اتفق القرّاء على كسر ءانٍ إلا الكسائي فإنه فتح ءانٍ وقراءة الجمهور ظاهرة لأن الكلام الذي قبله قد تم وأما قراءة الكسائي فالنحويون ذكروا فيه ثلاثة أوجه الأول أن التقدير شهد الله أنه لا إلاه إلا هو أن الدين عند الله الإسلام وذلك لأن كونه تعالى واحداً موجب أن يكون الدين الحق هو الإسلام لأن دين الإسلام هو المشتمل على هذه الوحدانية والثاني أن التقدير شهد الله أنه لا إلاه إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام الثالث وهو قول البصريين أن يجعل الثاني بدلاً من الأول ثم إن قلنا بأن دين الإسلام مشتمل على التوحيد نفسه كان هذا من باب قولك ضربت زيداً نفسه وإن قلنا دين الإسلام مشتمل على التوحيد كان هذا من باب بدل الاشتمال كقولك ضربت زيداً رأسه
فإن قيل فعلى هذا الوجه وجب أن لا يحسب إعادة اسم الله تعالى كما يقال ضربت زيداً رأس زيد
قلنا قد يظهرون الاسم في موضع الكناية قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon