المسألة الثانية مِنْ في محل الرفع عطفاً على التاء في قوله أَسْلَمْتُ أي ومعنى اتبعني أسلم أيضاً
فإن قيل لم قال أسلمت ومن اتبعن ولم يقل أسلمت أنا ومن اتبعن
قلنا إن الكلام طال بقوله وَجْهِى َ للَّهِ فصار عوضاً من تأكيد الضمير المتصل ولو قيل أسلمت وزيد لم يحسن حتى يقال أسلمت أنا وزيد ولو قال أسلمت اليوم بانشراح صدر ومن جاء معي جاز وحسن
ثم قال تعالى وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالاْمّيّينَ ءأَسْلَمْتُمْ وفيه مسائل
المسألة الأولى هذه الآية متناولة لجميع المخالفين لدين محمد ( ﷺ ) وذلك لأن منهم من كان من أهل الكتاب سواء كان محقاً في تلك الدعوى كاليهود والنصارى أو كان كاذباً فيه كالمجوس ومنهم من لم يكن من أهل الكتاب وهم عبدة الأوثان
المسألة الثانية إنما وصف مشركي العرب بأنهم أميون لوجهين الأول أنهم لما لم يدعوا الكتاب الإلاهي وصفوا بأنهم أُميون تشبيهاً بمن لا يقرأ ولا يكتب والثاني أن يكون المراد أنهم ليسوا من أهل القراءة والكتابة فهذه كانت صفة عامتهم وإن كان فيهم من يكتب فنادر من بينهم والله أعلم
المسألة الثالثة دلّت هذه الآية على أن المراد بقوله فَانٍ عام في كل الكفار لأنه دخل كل من يدعي الكتاب تحت قوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ودخل من لا كتاب له تحت قوله الامّيّينَ
ثم قال الله تعالى ءأَسْلَمْتُمْ فهو استفهام في معرض التقرير والمقصود منه الأمر قال النحويون إنما جاء بالأمر في صورة الاستفهام لأنه بمنزلته في طلب الفعل والاستدعاء إليه إلا أن في التعبير عن معنى الأمر بلفظ الاستفهام فائدة زائدة وهي التعبير بكون المخاطب معانداً بعيداً عن الانصاف لأن المنصف إذا ظهرت له الحجة لم يتوقف بل في الحال يقبل ونظيره قولك لمن لخصت له المسألة في غاية التلخيص والكشف والبيان هل فهمتها فإن فيه الإشارة إلى كون المخاطب بليداً قليل الفهم وقال الله تعالى في آية الخمر فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ( المائدة ٩١ ) وفيه إشارة إلى التقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهى عنه
ثم قال الله تعالى فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وذلك لأن هذا الإسلام تمسك بما هدي إليه والمتمسك بهداية الله تعالى يكون مهتدياً ويحتمل أن يريد فقد اهتدوا للفوز والنجاة في الآخرة إن ثبتوا عليه ثم قال وَإِن تَوَلَّوْاْ عن الإسلام واتباع محمد ( ﷺ ) فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ والغرض منه تسلية الرسول ( ﷺ ) وتعريفه أن الذي عليه ليس إلا إبلاغ الأدلة وإظهار الحجة فإذا بلغ ما جاء به فقد أدى ما عليه وليس عليه قبولهم ثم قال وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وذلك يفيد الوعد والوعيد وهو ظاهر


الصفحة التالية
Icon