المسأُلة بل هو معرض عن الكل
وأما قوله تعالى ذالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ ( آل عمران ٢٤ ) فالكلام في تفسيره قد تقدم في سورة البقرة ووجه النظم أنه تعالى لما قال في الآية الأولى ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ قال في هذه الآية ذلك التولي والإعراض إنما حصل بسبب أنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات قال الجبائي وفيها دلالة على بطلان قول من يقول إن أهل النار يخرجون من النار قال لأنه لو صحّ ذلك في هذه الأمة لصح في سائر الأمم ولو ثبت ذلك في سائر الأمم لما كان المخبر بذلك كاذباً ولما استحق الذم فلما ذكر الله تعالى ذلك في معرض الذم علمنا أن القول بخروج أهل النار قول باطل
وأقول كان من حقه أن لا يذكر مثل هذا الكلام وذلك لأن مذهبه أن العفو حسن جائز من الله تعالى وإذا كان كذلك لم يلزم من حصول العفو في هذه الأمة حصوله في سائر الأمم
سلمنا أنه يلزم ذلك لكن لم قلتم إن القوم إنما استحقوا الذم على مجرد الإخبار بأن الفاسق يخرج من النار بل ههنا وجوه أُخر الأول لعلمهم استوجبوا الذم على أنهم قطعوا بأن مدة عذاب الفاسق قصيرة قليلة فإنه روي أنهم كانوا يقولون مدة عذابنا سبعة أيام ومنهم من قال بل أربعون ليلة على قدر مدة عبادة العجل والثاني أنهم كانوا يتساهلون في أصول الدين ويقولون بتقدير وقوع الخطأ منا فإن عذابنا قليل وهذا خطأ لأن عندنا المخطىء في التوحيد والنبوّة والمعاد عذابه دائم لأنه كافر والكافر عذابه دائم والثالث أنهم لما قالوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ فقد استحقروا تكذيب محمد ( ﷺ ) واعتقدوا أنه لا تأثير له في تغليظ العقاب فكان ذلك تصريحاً بتكذيب محمد ( ﷺ ) وذلك كفر والكافر المصر على كفره لا شك أن عذابه مخلد وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن احتجاج الجبائي بهذه الآية ضعيف وتمام الكلام على سبيل الاستقصاء مذكور في سورة البقرة
أما قوله تعالى وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ فاعلم أنهم اختلفوا في المراد بقوله مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ فقيل هو قولهم نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ( المائدة ١٨ ) وقيل هو قولهم لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ وقيل غرهم قولهم نحن على الحق وأنت على الباطل
أما قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ رَيْبَ فِيهِ فالمعنى أنه تعالى لما حكى عنهم اغترارهم بما هم عليه من الجهل بيّن أنه سيجيء يوم يزول فيه ذلك الجهل ويكشف فيه ذلك الغرور فقال فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وفي الكلام حذف والتقدير فكيف صورتهم وحالهم ويحذف الحال كثيراً مع كيف لدلالته عليها تقول كنت أكرمه وهو لم يزرني فكيف لو زارني أي كيف حاله إذا زارني واعلم أن هذا الحذف يوجب مزيد البلاغة لما فيه من تحريك النفس على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة في قول القائل لو زارني وكل نوع من أنواع العذاب في هذه الآية
أما قوله تعالى إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ ولم يقل في يوم لأن المراد لجزاء يوم أو لحساب يوم فحذف المضاف ودلّت اللام عليه قال الفرّاء اللام لفعل مضمر إذا قلت جمعوا ليوم الخميس كان المعنى جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس وإذا قلت جمعوا في يوم الخميس لم تضمر فعلاً وأيضاً فمن المعلوم


الصفحة التالية
Icon