الفعال فبقوله الْحَى ّ دل على كونه عالماً قادراً وبقوله الْقَيُّومُ دل على كونه قائماً بذاته ومقوماً لكل ما عداه ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد
فأولها أن واجب الوجود واحد بمعنى أن ماهيته غير مركبة من الأجزاء وبرهانه أن كل مركب فإنه مفتقر في تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه وجزؤه غيره وكل مركب فهو متقوم بغيره والمتقوم بغيره لا يكون متقوماً بذاته فلا يكون قيوماً وقد بينا بالبرهان أنه قيوم وإذا ثبت أنه تعالى في ذاته واحد فهذا الأصل له لازمان أحدها أن واجب الوجود واحد بمعنى أنه ليس في الوجود شيئان كل واحد منهما واجب لذاته إذ لو فرض ذلك لاشتركا في الوجوب وتباينا في التعين وما به المشاركة غير ما به المباينة فيلزم كون كل واحد منهما في ذاته مركباً من جزأين وقد بينا بيان أنه محال
اللازم الثاني أنه لما امتنع في حقيقته أن تكون مركبة من جزأين امتنع كونه متحيزاً لأن كل متحيز فهو منقسم وقد ثبت أن التركيب عليه ممتنع وإذا ثبت أنه ليس بمتحيزاً امتنع كونه في الجهة لأنه لا معنى للمتحيز إلا ما يمكن أن يشار إليه إشارة حسيّة وإذا ثبت أنه ليس بمتحيز وليس في الجهة امتنع أن يكون له أعضاء وحركة وسكون
وثانيها أنه لما كان قيوماً كان قائماً بذاته وكونه قائماً بذاته يستلزم أمور
اللازم الأول أن لا يكون عرضاً في موضوع ولا صورة في مادة ولا حالا في محل أصلاً لأن الحال مفتقر إلى المحل والمفتقر إلى الغير لا يكون قيوماً بذاته
واللازم الثاني قال بعض العلماء لا معنى للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم للعالم فإذا كان قيوماً بمعنى كونه قائماً بنفسه لا بغيره كانت حقيقته حاضررة عند ذاته وإذا كان لا معنى للعلم إلا هذا الحضور وجب أن تكون حقيقته معلومة لذاته فإذن ذاته معلومة لذاته وكل ما عداه فإنه إنما يحصل بتأثيره ولأنا بينا أنه قيوم بمعنى كونه مقوماً لغيره وذلك التأثير إن كان بالاختيار فالفاعل المختار لا بدّ وأن يكون له شعور بفعله وإن كان بالإيجاب لزم أيضاً كونه عالماً بكل ما سواه لأن ذاته موجبة لكل ما سواه وقد دللنا على أنه يلزم من كونه قائماً بالنفس لذاته كونه عالماً بذاته والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول فعلى التقديرات كلها يلزم من كونه قيوماً كونه عالماً بجميع المعلومات
وثالثها لما كان قيوماً لكل ما سواه كان كل ما سواه محدثاً لأن تأثيره في تقويم ذلك الغير يمتنع أن يكون حال بقاء ذلك الغير لأن تحصيل الحاصل محال فهو إما حال عدمه وإما حال حدوثه وعلى التقديرين وجب أن يكون الكل محدثاً
ورابعها أنه لما كان قيوماً لكل الممكنات استندت كل الممكنات إليه إما بواسطة أو بغير واسطة وعلى التقديرين كان القول بالقضاء والقدر حقاً وهذا مما قد فصلناه وأوضحناه في هذا الكتاب في آيات كثيرة فأنت إن ساعدك التوفيق وتأملت في هذه المعاقد التي ذكرناها علمت أنه لا سبيل إلى الإحاطة بشيء من المسائل المتعلقة بالعلم الإلاهي إلا بواسطة كونه تعالى حياً قيوماً فلا جرم لا يبعد أن يكون الاسم الأعظم هو هذا وأما سائر الآيات الإلاهية كقوله وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ واحِدٌ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ ( البقرة ١٦٣ ) وقوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ


الصفحة التالية
Icon