قوله تعالى وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالاْرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
فيه مسائل
المسألة الأولى قرأ عاصم وحمزة والكسائي تَسَاءلُونَ بالتخفيف والباقون بالتشديد فمن شدد أراد تتساءلون فأدغم التاء في السين لاجتماعهما في أنهما من حروف اللسان وأصول الثنايا واجتماعهما في الهمس ومن خفف حذف تاء تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة فأعلها بالحذف كما أعلها الأولون بالادغام وذلك لأن الحروف المتقاربة إذا اجتمعت خففت تارة بالحذف وأخرى بالادغام
المسألة الثانية قرأ حمزة وحده وَالاْرْحَامَ بجر الميم قال القفال رحمه الله وقد رويت هذه القراءة عن غير القراء السبعة عن مجاهد وغيره وأما الباقون من القراء فكلهم قرؤا بنصب الميم وقال صاحب ( الكشاف ) قرىء وَالاْرْحَامَ بالحركات الثلاث أما قراءة حمزة فقد ذهب الأكثرون من النحويين إلى أنها فاسدة قالوا لأن هذا يقتضي عطف المظهر على المضمر المجرور وذلك غير جائز واحتجوا على عدم جوازه بوجوه أولها قال أبو علي الفارسي المضمر المجرور بمنزلة الحرف فوجب أن لا يجوز عطف المظهر عليه إنما قلنا المضمر المجرور بمنزلة الحرف لوجوه الأول أنه لا ينفصل ألبتة كما أن التنوين لا ينفصل وذلك ان الهاء والكاف في قوله به وبك لا ترى واحدا منفصلا عن الجار ألبتة فصار كالتنوين الثاني أنهم يحذفون الياء من المنادى المضاف في الاختيار كحذفهم التنوين من المفرد وذلك كقولهم يا غلام فكان المضمر المجرور مشابها للتنوين من هذا الوجه فثبت أن المضمر المجرور بمنزلة حرف التنوين فوجب أن لا يجوز عطف المظهر عليه لأن من شرط العطف حصول المشابهة بين المعطوف والمعطوف عليه فاذا لم تحصل المشابهة ههنا وجب أن لا يجوز العطف وثانيها قال علي بن عيسى انهم لم يستحسنوا عطف المظهر على المضمر المرفوع فلا يجوز أن يقال اذهب وزيد وذهبت وزيد بل يقولون يا غلام فكان المضمر المجرور مشابها للتنوين من هذا الوجه فثبت أن المضمر المجرور بمنزلة حرف التنوين فوجب أن لا يجوز عطف المظهر عليه لأن من شرط العطف حصول المشابهة بين المعطوف والمعطوف عليه فاذا لم تحصل المشابهة ههنا وجب أن لا يجوز العطف وثانيها قال علي بن عيسى انهم لم يستحسنوا عطف المظهر على المضمر المرفوع فلا يجوز أن يقال اذهب وزيد وذهبت وزيد بل يقولون اذهب أنت وزيد وذهبت أنا وزيد قال تعالى فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا مع ان المضمر المرفوع قد ينفصل فاذا لم يجز عطف المظهر على المضمر المجرور مع انه أقوى من المضمر المجرور بسبب أنه قد ينفصل فلأن لا يجوز عطف المظهر على المضمر المجرور مع أنه ألبتة لا ينفصل كان أولى وثالثها قال أبو عثمان المازني المعطوف والمعطوف عليه متشاركان وإنما يجوز عطف الأول على الثاني لو جاز عطف الثاني على الأول وههنا هذا المعنى غير حاصل وذلك لأنك لا تقول مررت بزيدوك فكذلك لا تقول مررت بك وزيد
واعلم أن هذه الوجوه ليست وجوها قوية في دفع الروايات الواردة في اللغات وذلك لأن حمزة أحد القراء السبعة والظاهر أنه لم يأت بهذه القراءة من عند نفسه بل رواها عن رسول الله ( ﷺ ) وذلك يوجب القطع بصحة هذه اللغة والقياس يتضاءل عند السماع لا سيما بمثل هذه الأقيسة التي هي أوهن من بيت العنكبوت وأيضا فلهذه القراءة وجهان أحدهما أنها على تقدير تكرير الجار كأنه قيل تساءلون به وبالارحام وثانيها أنه ورد ذلك في الشعر وأنشد سيبويه في ذلك فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب


الصفحة التالية
Icon