المسألة الخامسة احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على أن السفيه لا يحجر عليه بعد الخمس والعشرين قال لأن قوله وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ مطلق يتناول السفيه أونس منه الرشد أو لم يؤنس ترك العمل به قبل الخمس والعشرين سنة لاتفاق العلماء على أن إيناس الرشد قبل بلوغ هذا السن شرط في وجوب دفع المال اليه وهذا الاجماع لم يوجد بعد هذا السن فوجب إجراء الأمر بعد هذا السن على حكم ظاهر هذه الآية
أجاب أصحابنا عنه بأن هذه الآية عامة لأنه تعالى ذكر اليتامى فيها جملة ثم إنهم ميزوا بعد ذلك بقوله وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى ( النساء ٦ ) وبقوله وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوالَكُمُ ( النساء ٥ ) حرم بهاتين الآيتين إيتاءهم أموالهم إذا كانوا سفهاء ولا شك أن الخاص مقدم على العام
ثم قال تعالى وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيّبِ وفيه مسائل
المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) ولا تتبدلوا أي ولا تستبدلوا والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز ومنه التعجل بمعنى الاستعجال والتأخر بمعنى الاستئخار وقال الواحدي رحمه الله يقال تبدل الشيء بالشيء إذا أخذه مكانه
المسألة الثانية في تفسير هذا التبدل وجوه
الوجه الأول قال الفراء والزجاج لا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم الذي أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه الثاني لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع منها وهو قول الأكثرين انه كان ولي اليتيم يأخذ الجيد من ماله ويجعل مكانه الدون يجعل الزائف بدل الجيد والمهزول بدل السمين وطعن صاحب ( الكشاف ) في هذا الوجه فقال ليس هذا بتبدل إنما هو تبديل إلا أن يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي الرابع هو أن هذا التبدل معناه أن يأكلوا مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك وفي هذا يكون متبدلا الخبيث بالطيب
ثم قال تعالى وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَهُمْ إِلَى أَمْوالِكُمْ وفيه وجهان الأول معناه ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم في الانفاق حتى تفرقوا بين أموالكم وأموالهم في حل الانتفاع بها والثاني أن يكون ( إلى ) بمعنى ( مع ) قال تعالى مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ ( آل عمران ٥٢ ) أي مع الله والأول أصح
واعلم أنه تعالى وان ذكر الأكل فالمراد به التصرف لأن أكل مال اليتيم كما يحرم فكذا سائر التصرفات المهلكة لتلك الأموال محرمة والدليل عليه أن في المال ما لا يصح ان يؤكل فثبت ان المراد منه التصرف وإنما ذكر الأكل لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف
فان قيل انه تعالى لما حرم عليهم أكل أموال اليتامى ظلما في الآية الأولى المتقدمة دخل فيها أكلها وحدها وأكلها مع غيرها فما الفائدة في إعادة النهي عن أكلها مع أموالهم
قلنا لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من حلال وهم مع ذلك يطمعون في أموال اليتامى كان القبح أبلغ والذم أحق


الصفحة التالية
Icon