ثم قال تعالى وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
واعلم أنه تعالى لما نهى عن إيتاء المال السفيه أمر بعد ذلك بثلاثة أشياء أولها قوله وَارْزُقُوهُمْ ومعناه وأنفقوا عليهم ومعنى الرزق من العباد هو الاجراء الموظف لوقت معلوم يقال فلان رزق عياله أي أجرى عليهم وإنما قال فِيهَا ولم يقل منها لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال وثانيها قوله وَاكْسُوهُمْ والمراد ظاهر وثالثها قوله وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
واعلم انه تعالى إنما أمر بذلك لأن القول الجميل يؤثر في القلب فيزيل السفه أما خلاف القول المعروف فانه يزيد السفيه سفهاً ونقصانا
والمفسرون ذكروا في تفسير القول المعروف وجوها أحدها قال ابن جريج ومجاهد انه العدة الجميلة من البر والصلة وقال ابن عباس هو مثل أن يقول إذا ربحت في سفرتي هذه فعلت بك ما انت أهله وان غنمت في غزاتي أعطيتك وثانيها قال ابن زيد انه الدعاء مثل أن يقول عافانا الله وإياك بارك الله فيك وبالجملة كل ما سكنت اليه النفوس وأحبته من قول وعمل فهو معروف وكل ما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر وثالثها قال الزجاج المعنى علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل ورابعها قال القفال رحمه الله القول المعروف هو أنه ان كان المولى عليه صبيا فالولي يعرفه ان المال ماله وهو خازن له وأنه إذا زال صباه فانه يرد المال اليه ونظير هذه الآية قوله فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ( الضحى ٩ ) معناه لا تعاشره بالتسلط عليه كما تعاشر العبيد وكذا قوله وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَة ٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ( الإسراء ٢٨ ( وان كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ورغبه في ترك التبذير والاسراف وعرفه أن عاقبة التبذير الفقر والاحتياج الى الخلق الى ما يشبه هذا النوع من الكلام وهذا الوجه أحسن من سائر الوجوه التى حكيناها
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً
واعلم أنه تعالى لما أمر من قبل بدفع مال اليتيم اليه بقوله وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ ( النساء ٢ ) بين بهذه الآية متى يؤتيهم أموالهم فذكر هذه الآية وشرط في دفع أموالهم اليهم شرطين أحدهما بلوغ النكاح والثاني إيناس الرشد ولا بد من ثبوتهما حتى يجوز دفع مالهم اليهم وفي الآية مسائل


الصفحة التالية
Icon