الوجه الثالث في الجواب هو أن في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير فان كن نساء اثنتين فما فوقهما فلهن الثلثان فهذا هو الجواب عن حجة ابن عباس وأما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان قالوا وإنما عرفنا ذلك بوجوه الأول قال أبو مسلم الاصفهاني عرفناه من قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ وذلك لأن من مات وخلف ابنا وبنتا فههنا يجب أن يكون نصيب الابن الثلثين لقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ فاذا كان نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين ونصيب الذكر ههنا هو الثلثان وجب لا محالة أن يكون نصيب الابنتين الثلثين الثاني قال أبو بكر الرازي إذا مات وخلف ابنا وبنتا فههنا نصيب البنت الثلث بدليل قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ فاذا كان نصيب البنت مع الولد الذكر هو الثلث فبأن يكون نصيبهما مع ولد آخر أنثى هو الثلث كان أولى لأن الذكر أقوى من الأنثى الثالث أن قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ يفيد أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الأنثى الواحدة وإلا لزم أن يكون حظ الذكر مثل حظ الأنثى الواحدة وذلك على خلاف النص واذا ثبت أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الواحدة فنقول وجب أن يكون ذلك هو الثلثان لأنه لا قائل بالفرق والرابع أنا ذكرنا في سبب نزول هذه الآية أنه عليه الصلاة والسلام أعطى بنتي سعد بن الربيع الثلثين وذلك يدل على ما قلناه الخامس أنه تعالى ذكر في هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن ولم يذكر حكم الثنتين وقال في شرح ميراث الأخوات إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ فههنا ذكر ميراث الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر ميراث الأخوات الكثيرة فصار كل واحدة من هاتين الآيتين مجملا من وجه ومبينا من وجه فنقول لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بذلك لأنهما أقرب الى الميت من الأختين ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزداد على الثلثين وجب أن لا يزداد نصيب الأخوات الكثيرة على ذلك لأن البنت لما كانت أشد اتصالا بالميت امتنع جعل الأضعف زائدا على الأقوى فهذا مجموع الوجوه المذكورة في هذا الباب فالوجوه الثلاثة الاول مستنبطة من الآية والرابع مأخوذ من السنة والخامس من القياس الجلي
أما القسم الثالث وهو إذا مات وخلف الأولاد الذكور فقط فنقول أما الابن الواحد فانه إذا انفرد أخذ كل المال وبيانه من وجوه الاول من دلالة قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ ( النساء ١٧٦ ) فان هذا يدل على أن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين
ثم قال تعالى في البنات وَإِن كَانَتْ واحِدَة ً فَلَهَا النّصْفُ فلزم من مجموع هاتين الآيتين ان نصيب الابن المفرد جميع المال الثاني أنا نستفيد ذلك من السنة وهي قوله عليه الصلاة والسلام ( ما أبقت السهام فلا ولى عصبة ذكر ) ولا نزاع ان الابن عصبة ذكر ولما كان الابن آخذاً لكل ما بقي بعد السهام وجب فيما إذا لم يكن سهام أن يأخذ الكل الثالث ان أقرب العصبات إلى الميت هو الابن وليس له بالاجماع قدر معين من الميراث فاذا لم يكن معه صاحب فرض لم يكن له ان يأخذ قدرا أولى منه بأن يأخذ الزائد فوجب أن يأخذ الكل
فان قيل حظ الانثيين هو الثلثان فقوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ يقتضي أن يكون حظ الذكر مطلقا هو الثلث وذلك ينفي أن يأخذ كل المال


الصفحة التالية
Icon