وأنصباء الأبوين وكانت تلك الأنصباء مختلفة والعقول لا تهتدي إلى كمية تلك التقديرات والانسان ربما خطر بباله أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه كانت أنفع له وأصلح لا سيما وقد كانت قسمة العرب للمواريث على هذا الوجه وانهم كانوا يورثون الرجال الأقوياء وما كانوا يورثون الصبيان والنسوان والضعفاء فالله تعالى أزال هذه الشبهة بأن قال إنكم تعلمون أن عقولكم لا تحيط بمصالحكم فربما اعتقدتم في شيء أنه صالح لكم وهو عين المضرة وربما اعتقدتم فيه أنه عين المضرة ويكون عين المصلحة وأما الاله الحكيم الرحيم فهو العالم بمغيبات الأمور وعواقبها فكأنه قيل أيها الناس اتركوا تقدير المواريث بالمقادير التي تستحسنها عقولكم وكونوا مطيعين لأمر الله في هذه التقديرات التي قدرها لكم فقوله وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَة ً اشارة إلى ترك ما يميل اليه الطبع من قسمة المواريث على الورثة وقوله فَرِيضَة ً مّنَ اللَّهِ اشارة إلى وجوب الانقياد لهذه القسمة التي قدرها الشرع وقضى بها وذكروا في المراد من قوله أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً وجوها الأول المراد أقرب لكم نفعا في الآخرة قال ابن عباس إن الله ليشفع بعضهم في بعض فأطوعكم لله عز وجل من الأبناء والآباء أرفعكم درجة في الجنة وإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع الله اليه ولده بمسألته ليقر بذلك عينه وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله إليه والديه فقال لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً لأن أحدهما لا يعرف أن انتفاعه في الجنة بهذا أكثر أم بذلك الثاني المراد كيفية انتفاع بعضهم ببعض في الدنيا من جهة ما أوجب من الانفاق عليه والتربية له والذب عنه والثالث المراد جواز أن يموت هذا قبل ذلك فيرثه وبالضد
قوله تعالى فَرِيضَة ً مّنَ اللَّهِ هو منصوب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضا إن الله كان عليما حكيما والمعنى أن قسمة الله لهذه المواريث أولى من القسمة التي تميل اليها طباعكم لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات فيكون عالما بما في قسمة المواريث من المصالح والمفاسد وأنه حكيم لا يأمر إلا بما هو الأصلح الأحسن ومتى كان الأمر كذلك كانت قسمته لهذه المواريث أولى من القسمة التي تريدونها وهذا نظير قوله للملائكة إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( البقرة ٣٠ )
فان قيل لم قال كَانَ عَلِيماً حَكِيماً مع أنه الآن كذلك
قلنا قال الخليل الخبر عن الله بهذه الألفاظ كالخبر بالحال والاستقبال لأنه تعالى منزه عن الدخول تحت الزمان وقال سيبويه القوم لما شاهدوا علماً وحكمة وفضلا وإحساناً تعجبوا فقيل لهم إن الله كان كذلك ولم يزل موصوفا بهذه الصفات
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّة ٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّة ٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَة ً أَو امْرَأَة ٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذالِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّة ٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّة ً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ


الصفحة التالية
Icon