الباب الأول: جهاده في طلب العلم وتعليمه.
جهاده
توطئة.
إنَّ الله - عز وجل - لمَّا جعل عبده سيّدنَا محمدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا خاتمَ الأنبياءِ والمرسلين، وجعل دينه: الإسلامَ خاتم الأديان، وللناس كافة:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (سبأ: ٢٨)
وكان من شأن الناس حاجتهم إلى من يأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم: صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُور ُ} (الشورى: ٥٣)
جعل ذلك رسالة العلماء من بعده - ﷺ -، فكانوا نُجومَ الأُمَّةِ كما أخبر - ﷺ - فيما رواه "أحمد" - رضي الله عنهم - في مسنده عن "انس بن مالكٍ - رضي الله عنهم -:" قال النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا:
" إنَّ مثَلَ العُلماء فِي الأرضِ كَمَلِ النٌّجومِ فِي السَّماءِ يُهتَدَى بِها فِي ظُلُماتِ البَّرِّ وَالبَحْرِ، فإذا انْطَمَسَتِ النُّجومُ أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الهُداةُ "
(مسند أحمد ج٣ص١٥٧)
وجعلهم ورثة الأنبياء: روي "أحمد" - رضي الله عنهم - في مسنده عن "أبي الدرداء - رضي الله عنهم - "أنَّه سَمِعَ رسولَ الله - ﷺ - يقولُ:
"... إنَّ العلمَاءَ هُمْ وَرَثَةٌ الأنْبِياءِ، لم يورثُوا دينَارًا وَلا دِرْهمًا، وإنّما ورّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخذه أَخذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " (مسند أحمد: ٥/١٩٦)
وعلى مقدار عقل المرء يكون مقدار سعيه إلَى أن يأخُذَ منْ ميرَاثِ النُّبوة قولاً وعمَلا، فكَثُرَ في الأُمَّة قديمًا السّاعين إلى أنْ يأخذوا من ميراثِ النّبُوّةِ؛ ليقوموا بِتِبْيانِ الصِّراطِ المستقيم في كلّ ما يَجِدُّ من حركة الحياة المُتَجَدِّدَةِ.