بسطت لك النقل عنه، لأهميته أولا، ولتقفَ على حقيقة مذهبه وعموده بلغته هو، وسوف يكون لنا وقفة تحليل وتقويم لبعضٍ من ذلك
المهم أنَّ تحرير هذا المقصود الأعظم الكلي لايتأتى خبط عشواء، ولا يمتلكه المرءُ من قراءاتٍ عَجْلَى للسورة القرآنية، بل هو لايملك معالمه الكبرى إلاَّ من بعد معايشةٍ للسورة، وسعي بليغٍ إلى أن يقيم فيها بعقله وقلبه وروحه حتى تستحيل إلى جزء من وجوده الدَّاخلىّ أو إلى أنْ تقوم هي فيه.
يظَلُّ المتدبرُ يتنقلُ بينَ تأمل الجزء وتأمل الكلِّ، فيعيشُ في حركةٍ دائريةٍ تردديةٍ، وهو يحاول تأويل السورة وتدبرها
وقد كان " البقاعي" يدور في تدبره تحليل الكلمات والجمل والآيات والمعاقد في ضوء المعالم الكبرى للمقصود العظم للسورة، حتى ينتهى إلى تحرير المعالم الدقيقة لذلك المقصود، فيعود إلى تدبر الجمل والآيات والمعاقد تدبرًا أعمق من سابقه في ضوء هذا التحرير الدقيق للمعالم الدقيقة للمقصود
نرى " البقاعي" مثلاً يقوم بتعديل منهجه وخطته في التدبر عندما يتقدم فيه، وعندما يصل إلى سورة " سبأ" يرجع إلى ما سبق أن صنعه من أول سورة " الفاتحة " وحتى سورة " سبأ" فيعيد النظر فيه، وهكذا يقين نفسه في حركة دائرية ترددية بين المقصود الكلى والعناصر في إطار السورة القرآنية، ثمَّ في القرآن الكريم كلُّهِ، لرحابة ميدان التناسب.
وإذا ماكان عمودا " التناسب " عنده هما " النظم التركيبي" و" النظم الترتيبي "وكان كلُّ منهما يعتمد على الآخر كما تراه في قوله:
" المقصود بالترتيب معان جليلة الوصف، بديعة الرصف، عَلِيَّةُ الأمر، عظيمة القدر، مباعدة لمعانى الكلام على أنها منها أخذت " إذا ماكان ذلك فإن"البقاعي" ليذهبُ إلى أنَّ "النظم الترتيبي " يحتاج متدبرُه إلى أنْ يكون ذا فراسة بيانية في تدبره، لأنَّه في غاية الخفاء